د. محمد السعيد أبو حلاوة| أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور.

أولاً- مقدمة:

عندما يتعلق الأمر بمصطلح “سمات الشخصية”، وتجد نفسك حصلت على درجات مرتفعة على عامل “المقبولية أو الطيبة أو الوفاق agreeableness” ستجد أن الآخرين يصفونك بأنك شخص محبوب ومقدر ومحترم وتميل إلى تكوين الأصدقاء بيسر، وربما يطلق عليك صفات إيجابية كثيرة منها أنك محل ثقة وتتميز بالإيثار والأمانة والتواضع والتعاطف والتوجه نحو التعاون مع الآخرين.

وتعد المقبولية والطيبة والوفاق واحدة من السمات المركزية الخمس الكبرى للشخصية، والتي يتم التعامل معها بكون كل سمة تمثل بعدًا في الشخصية على هيئة متصل يتضمن مستويات ذات تدريج ثلاثي: مرتفع ـ متوسط ـ منخفض في كل سمة من هذه السمات، ولا يعني كون الشخص يحصل على درجة مرتفعة على سمة المقبولية والطيبة والوفاق أن بقية السمات الأربعة درجاته منخفضة عليها بل كل ما يعنيه أن هذه السمة هي السمة الغالبة على تكوينه النفسي (Gordon, 2020).  

وتتضمن سمات الشخصية وفقًا لنموذج العوامل الخمسة الكبرى للشخصية أربعة سمات أخرى تتمثل في: الانفتاح على الخبرة Openness to Experience، يقظة الضمير وحيويته وحضوره وفاعليته conscientiousness، الانبساطية extraversion، الطيبة والمقبولية والوفاق agreeableness، والعٌصابية neuroticism، وعادة ما يعرف عنها إجمالاً بصيغة  OCEAN Model عند الإشارة إلى اختبار العوامل الخمس الكبرى للشخصية Five personality test.  

وتبعًا لهذا التصور تأتي أهمية نموذج “العوامل الخمس الكبرى في الشخصية” بما نتج عنه من أداة قياس في فهم سمات الشخصية وفي تعرف كيف يستجيب الناس لمختلف مواقف وسيناريوهات الحياة ووقائعها وأحداثها وبما تتضمن من ضواغط وشدائد ومحن وعثرات وظروف عصيبة.

ثانيًا- تعريف عامل المقبولية أو الطيبة والوفاق:

الطيبة أو المقبولية أو الوفاق عاملاً من عوامل الشخصية الخمس الكبرى، ويعد مقياسًا لمدى تمتع الشخص بالود والرفق والعطف والوفاق ولين الجانب في التعامل مع الآخرين، وهي خصائص إيجابية ترتب لمن تتواجد فيه معامل ثقة مرتفع من قبل الآخرين، ويحظى بتقديرهم واحترامهم نظرًا لما يتبدى عليه من توجه نحو مساعدة الآخرين والرفق بهم والتسامح معهم والإحسان إليهم.

ويتمتع ذوو المستوى المرتفع من الطيبة أو المقبولية أو الوفاق بالحسن الإنساني Human Sense وبالذوق sentiment المقترن بنعومة المشاعر، والرقة mildness، والتأدب واللباقة Politeness & urbanity في التعامل مع الآخرين، ويتمتع من تتوافر فيهم هذه الخصائص بسعادة بالغة عند مساعدة الآخرين ومساندتهم، مع توجههم نحو إثمار الخير بطيبة قلب وسلامة نية وتعاطف دافع باتجاه السلوك الاجتماعي الإيجابي.

من جانب آخر تتمثل الخصائص الأساسية لذوي المستوى المنخفض من الطيبة أو المقبولة والوفاق بالبرود الانفعالي والشك في الآخرين والحذر منهم، والتوجه نحو الانعزال عنهم مع عدم التعاون معهم بأي صورة من الصور.

ويعد عامل الطيبة أو المقبولية والوفاق بهذا المعنى وبما يتضمنه من خصائص ذات طابع انفعالي في الغالب، المقابل المناقض لعامل الغل والحقد والحسد والضغينة، مما يمكن معه القول أن تنمية عامل المقبولية والوفاق والطيبة يؤدي دورًا وقائيًا للشخصية وتحصينًا نفسيًا لها من المشكلات والاضطرابات النفسية والسلوكية المرتبطة بانفعالات الغل والحقد والضغينة والحسد (Pappas, 2017).

ثالثًا- الخصائص العامة لسمة المقبولية والطيبة والوفاق:

تستخدم سمة الطيبة والمقبولية والوفاق لوصف قدرة الشخص على تقديم حاجات الآخرين على حاجاته الشخصية، على سبيل المثال يتميز ذوو المستوى المرتفع من المقبولة والطيبة بالتعاطف التلقائي والطبيعي مع الآخرين ويميلون بصفة عامة إلى الشعور بالمتعة والابتهاج عند خدمة الآخرين ورعايتهم وتقديم يد العون لهم.

 ويتميز ذوو المستوى المرتفع من الطيبة والمقبولية بالثقة في الآخرين والتوجه نحو التسامح معهم والرفق بهم والتعاون معهم بدلاً من التنافس أو الصراع، من جانب آخر يحظى هؤلاء الأشخاص بحب واحترام الآخرين ويحتلون مكانة اجتماعية مرتفع ضمن تكوين الجماعات التي ينتمون إليها، فضلاً عن حرص الآخرين على الاقتراب منهم والتعامل معهم وينظر إليهم على أنهم أصدقاء طيبين وجيدين.

ورغم أن للطيبة والمقبولية والوفاق بالتصور السابق جوانب إيجابية عديدة، إلا أنها ربما تتضمن في بنيتها بعض السلبيات، منها على سبيل المثال معاناة من يتميزون بها من صعوبات في التعبير عن حاجاتهم ورغباتهم وتفصيلاتهم ربما بسبب التميز بالتأدب واللين والتساهل والتسامح الزائد عن الحد أحيانًا، فضلاً عن متاعبهم ومعاناتهم في المواقف التي تتطلب قرارات حاسمة وفورية، وقد يتنازلون عن كثيرٍ من حقوقهم بداعي اللطف والذوق والحب الزائد عن الحد للآخرين، فضلاً عن تعرضهم على نحو دائم لسوء تفسير الآخرين لطيبتهم ووفاقهم على أنه علامة استكانة وخنوع أو ضعف، وربما من أكثر الجوانب المزعجة في هذا الأمر وعند التواجد في بيئات وسياقات العمل ربما يسيطر عليهم بصورة كبيرة دافعية مساعدة الآخرين والحرص على الارتقاء بهم ودفعهم للأمام وربما نسيان التخطيط للارتقاء بأنفسهم ووضعها في المكانة التي تستحقها دون زيادة أو نقصان.

على الجانب الآخر يتصف ذوو المستويات المنخفضة من “الطيبة والمقبولية والوفاق” يميلون إلى العدائية، وينطوي تكوينهم النفسي على الضغينة والأحقاد، ويتوجهون بصفة عامة نحو التنافسية والصراع مع الآخرين، فضلاً مشكلاتهم العديدة في علاقاتهم مع الآخرين خاصة عند الاختلافات.

وفيما يلي بعض الخصائص العامة التي تميز ذوو المستويات المرتفعة من المقبولية والطيبة والوفاق:

• يسر وسلاسة الارتباط بالآخرين والتعلق بهم وإقامة علاقات إيجابية معهم.
• الحصول على حب واحترام وتقدير الآخرين لهم.
• التوجه لرعاية الآخرين والاهتمام بهم في أوقات الحاجة.
• التوجه نحو مساعدة الآخرين، والرفق بهم والتعاطف معهم.
• الحساسية الانفعالية والاجتماعية بالآخرين.
• ارتفاع مستوى الذكاء الاجتماعي والانفعالي.
• التوجه نحو تسوية الخلافات مع الآخرين بلين ورقة ويسر ودون أي تصعيد.
• عدم التعجل في الحكم على الآخرين، وإعادة تعديل أحكامهم وتقييماتهم للآخرين بتقديم حسن الظن فيهم.
• حب التعاون مع الآخرين والتشاركية معهم.
• التوجه نحو إيثار الآخرين وتفضيلهم واتخاذ منظورهم.
• يسر وسهولة تكوين الصداقة مع الآخرين.
• التوجه نحو المساندة الانفعالية للآخرين.

رابعًا- كيف تؤثر الطيبة والمقبولية والوفاق على السلوك؟

عندما يتعلق الأمر باختبار الشخصية وفق لنموذج العوامل الخمسة الكبرى، فإن قياس عامل الطيبة والمقبولية يحدد قدرة الشخص على التحلي باللطف والرقة والتعاطف والثقة والتعاون، فضلاً عن الانسجام مع المجتمع بأعرافه وتقاليده وقيمه ومعاييره.

ومع ذلك أمكن تحديد ستة مكونات فرعية يمكن أن يطلق عليها “سمات فرعية sub-traits” توصف بها شخصية ذوو المستوى المرتفع من عامل المقبولية والطيبة والوفاق، تتضمن الإيثار Altruism، التعاون Cooperation، التواضع Modesty، الاستقامة Straightforwardness، التجاوب الوجداني Sympathy، والثقة Trust، وفيما يلي وصف موجز لهذه السمات الفرعية:

• الإيثار Altruism:

يشعر ذوو المستوى المرتفع من الطيبة والمقبولية والوفاق بالابتهاج والسرور وراحة البال عند مساعدة الآخرين، والأكثر من ذلك أنهم يحصلون على ما يعرف بالمكافآت النفسية الذاتية الداخلية عند فعل الخير دون حساب لأي اعتبارات أخرى وجون أن يعتبروا ذلك تضحية من قبل الذات self-sacrificing، بل يحصلون على ما يمكن تسميته الإثبات الإيجابي للذات والتحقيق السوي للذات عبر مثل هذه الأفعال.

على الجانب الآخر يرى ذوو المستوى المنخفض من الطيبة والمقبولية والوفاق أن مساعدة الآخرين مضيعة للوقت ولا موجبات ولا ضرورات له، الأمر الذي يفسر وصفهم لذوي المستوى المرتفع من المقبولية والطيبة بالسذج الذين يفنون عمرهم في رعاية من لا يستحقون الرعاية.

• التعاون Cooperation:

يميل ذوو المستوى المرتفع من الطيبة والمقبولية والوفاق بصورة عامة إلى تجنب الخلافات أو الصراعات مع الآخرين، ويفضلون أن ينظر إليهم على أنهم صناع سلام peacemakers، الأمر الذي يجعلهم دائمًا ربما يتخلون عن حاجاتهم واهتماماتهم الذاتية إيثارًا للعلاقات مع الآخرين.

على الجانب الآخر يبحر ذوو المستوى المنخفض من الطيبة والمقبولية في الحياة بذهنية الاعتقاد بأن ترويع الآخرين وتخويفهم والعدائية تجاههم الوسيلة الأكثر فاعلية في تحقيق أهدافهم ومصالحهم الذاتية في الحياة.

• الأمانة والاستقامة Honesty & Straightforwardness:

يتميز ذوو المستوى المرتفع من المقبولية والطبية والوفاق بالاستقامة الأخلاقية والإخلاص والتفاني في خدمة الآخرين ورعايتهم والاهتمام بهم والوفاء إليهم، وعادة يتجنبون بصورة تامة استغلال الآخرين أو التلاعب بهم للحصول على ما يريدون أو لتحقيق حاجاتهم، وعادة ينظر إلى ذوي المستوى المرتفع من الطيبة على أنهم أشخاص أمناء وصادقون ومن المرغوب التعامل معهم ويسهل إقامة علاقات إيجابية معهم.

على الجانب الآخر يتصف ذوو المستوى المنخفض من المقبولية والطيبة بالتوجه نحو تضليل الآخرين واستغلالهم والتلاعب بهم والاعتقاد بصحة المثل القائل “الغاية تبرر الوسيلة” وتدبير المكائد لإيذاء الآخرين إن ترتب على هذا الإيذاء تحقيق مصلحتهم الذاتية.

• التواضع Modesty:

يتميز ذوو المستوى المرتفع من الطيبة والمقبولية بلين الجانب وربما التواري ويتجنبون تصريحًا أو تلميحًا التعبير عن أنهم أفضل من الآخرين، ولا يعني بهذا التواضع أنهم لا يعرفون قدرهم ولا قيمتهم بل ربما توجهًا لرفع الروح المعنوية للآخرين وحثهم على الارتقاء، وقد يفسر هذا التوجه خطأ من قبل بعض الناس على أنه تقليل من شأن الذات.

على الجانب الآخر يتصف ذوو المستوى المنخفض من الطيبة والمقبولة بالعجرفة والتكبر والإعجاب الذات وتمجيدها، مع التوجه دائمًا إلى التقليل من شأن الآخرين ربما لمجرد إثبات أنهم أفضل من الآخرين.

• التجاوب الوجداني Sympathetic:

يتميز ذوو المستوى المرتفع من الطيبة والمقبولية بارتفاع مستوى الحساسية الانفعالية بالآخرين والتعاطف معهم وسرعة ويسر التجاوب الوجداني معهم من خلال الاهتمام بهم ومساندتهم ورعايتهم، فضلاً عن تمتعهم بمستوى عالٍ من الذكاء الانفعالي الذي يمكنهم من الحساسية بانفعالات ومشاعر الآخرين وتفهمها والتعامل الإيجابي معها خاصة عند تعرض الآخرين للآلام أو معاناة.

على الجانب الآخر يتصف ذوو المستوى المنخفض من الطيبة والمقبولية بالغلظة والفظاظة وقسوة القلب والنفور من الآخرين والاستياء منهم؛ وبالتالي عدم التسامح وعدم الرفق بالآخرين.

• الثقة Trusting:

يتميز ذوو المستوى المرتفع من الطيبة والمقبولية بحسن الظن في الآخرين وتوقع الخير منهم والثقة فيهم والتركيز على الجوانب الإيجابية فيهم، ويميلون كذلك إلى تعليق أو إرجاء الأحكام عليهم والتقييمات لهم، وغالبًا يقدمون الرعاية والاهتمام غير المشروط للآخرين.

على الجانب الآخر يتصف ذوو المستوى المنخفض من الطيبة والمقبولية بالأنانية والتمركز حول الذات والتركيز على مصالحهم الشخصية مع سوء الظن في الآخرين وعدم الثقة فيهم، بل يرون الآخرين كتهديد لهم وتهديد لمصالحهم وراحتهم في الحياة.

وبصورة عامة تنتظم سلوكيات ذوو المستوى المرتفع من المقبولية والطيبة والوفاق حول عدد من الملامح الأساسية تتمثل فيما يلي:

• تقديم اهتمامات وحاجات الآخرين على اهتماماتهم وحاجاتهم الذاتية.
• الاندماج في السلوكيات التي تسعد الآخرين وتبهجهم وتدخل السرور على قلوبهم.
• في حاجة إلى تعزيزات تأكيدية من الآخرين.
• الرقة واللين والعطف ومساندة الآخرين ومساعدتهم.
• الميل إلى الاندماج في الأنشطة الإيثارية والأحداث المجتمعية.
• الميل إلى توفيق أو تعديل أفكارهم ومثلهم إذا ترتب على ذلك خفض الصراعات والخلافات مع الآخرين.
• الامتناع عن تكوين أحكام أو تقييمات سلبية وقاسية على الآخرين.
• التحلي بالأمانة والوفاء والإخلاص في التعبير والسلوك.
• خامسًا- المصدر الرئيسي:

Sherri Gordon (2020). What Is Agreeableness?: https://www.verywellmind.com/how-agreeableness-affects-your-behavior-4843762

• سادسًا- للمزيد راجع:
• المراجع العربية:

1. السيد محمد أبو هاشم (2010). المكونات الأساسية للشخصية في نموذج كل من كاتل وأيزنك وجولدبيرج لدى طلاب الجامعة ( دراسة عاملية). مجلة كلية التربية، جامعة بنها، 17(70): 210- 274.
2. محمد السيد عبد الرحمن (2005). سمات الشخصية والاتجاه نحو السلطة والرفاق وعلاقتها بالسلوك العدواني لدى طلاب الجامعة. بحث مقدم إلى الأمانة العامة لاتحاد الجامعات العربية في مسابقة العنف في الحياة الجامعية، أسبابه ومظاهره والحلول المقترحة لعلاجه، عمان، الأردن.
3. دعاء عوض سيد أحمد (2014). العوامل الشخصية المنبئة بالتوافق المهني لدى معلمي المرحلة الابتدائية. مجلة الدراسات التربوية والإنسانية، كلية التربية، جامعة دمنهور، المجلد (6)، العدد (4)، الجزء (4) ـ (أ)، ص ص: 237-295.

• المراجع الأجنبية
• Big Five personality traits https://en.wikipedia.org/wiki/Big_Five_personality_traits
• Carver, C., Johnson, S., Mccullough. M., Forster. D,. & Joormann J.(2014). Adulthood personality correlates of childhood adversity. Front Psychol. 2014;5:1357.
• Denissen, J., Bleidorn, W., Hennecke, M., Luhmann, M.. Orth, U., Specht, J. & Zimmermann, J. (2018)Uncovering the power of personality to shape income. Psychological Science, 29(1):3-13.
• Habashi, M., Graziano, W. & Hoover, A. (2016). Searching for the prosocial personality: a Big Five approach to linking personality and prosocial behavior.Pers Soc Psychol Bull.;42(9):1177-92.
• John, O., Naumann, L., & Soto, C. (2008). Paradigm shift to the integrative Big Five trait taxonomy: History, measurement, and conceptual issues. In O. P. John, R. W. Robins, & L. A. Pervin (Eds.), Handbook of personality: Theory and research (3rd ed., pp. 114–158). New York, NY: Guilford Press.
• Martin, L., Friedman, S,. & Schwartz, J.(2007). Personality and mortality risk across the life span: the importance of conscientiousness as a biopsychosocial attribute. Health Psychology, 26(4):428-36.
• McCrae, R., & Costa, P.. (2008). The Five-Factor theory of personality. In O. P. John, R.. Robins, & L. Pervin (Eds.), Handbook of personality: Theory and research (3rd ed., pp. 159–181). New York, NY: Guilford Press.
• Roberts, B., Jackson, J. Fayard, J., Edmonds, G. & Meints, J. (2009). Conscientiousness. In M. R. Leary & R. H. Hoyle (Eds.), Handbook of individual differences in social behavior (pp. 369-381). New York, NY, US: Guilford Press.