وقفات على المفارق مع جبل العرب هو جبل العرب لأنّه لكل العرب! (2)

سعيد نفاع | سوريا – الجولان المحتل

وقفات على المفارق مع قليب وشيحان والشيخ والباروك و الجرمق

الوقفة السادسة: إشعال نيران الفتنة بالتكنولوجيا

قديما كان إن طرأ طارئ في الجبل أو وادي التيم أو الشوف أو الجليل واستدعى طلب الدعم، يكفي أن تشعل النيران على قمة جبل قليب أو شيحان في الجبل والشيخ في التيم والباروك في الشوف والجرمق في فلسطين، ليتقاطر المتطوعون خيّالة ومشاة إلى مصدر النار دون كثير تمحيص ودون تردد.

اليوم صارت التكنولوجيا تقوم مقام النار، ولكن في تلك الأيام كان القيّم على إشعال النيران معروفًا ومحدّدًا، أمّا اليوم فكلّ حامل جوّال، وكلّ صاحب حساب على الفيسبوك، وكل محطّة سفك دماء، وكلّ سياسيّ فيهم ومن خارجهم رهن نفسه للشيطان، يُشعلون النار على هواهم، فيتقاطر أصحاب عمائم ملأى بالسياسة والارتباطات إلى الاجتماعات والخطب الناريّة، وذوو ياقات منشاة في عواصم القرار إلى الشاشات، وكلّ يهد ويرعد حاسبًا أن زفير الخطب سيطفئ النار التي هبّت مؤخرا عالية على جبلي قليب وشيحان في الجبل.       

 يبزّ كل هؤلاء “قيادات” درزيّة إسرائيليّة رهنوا أنفسهم منذ أن حلّت إسرائيل وبعضهم قبل حلولها، للحركة الصهيونيّة، ليروحوا يدبلجون البيانات و-“ينخّون” بسطاء الناس أن هبّوا لنجدة “أخوتنا”، طبعًا ماديّا والله وحده يعلم إلى أين تذهب تلك الأموال التي يقتطعها البسطاء من قوت أبنائهم، مروّجين أن إسرائيل هي المنقذ وبعد أن تخلّى النظام عن أهلنا!!!

فمتى صار هؤلاء أخوتهم ومتى صارت سيدتهم إسرائيل “فاقعة الدرّة” على دروز الجبل وهي التي تمدّ مرتكبي المجازر في حقّهم، جبهة النصرة، بكل أسباب البقاء؟! وفقط بالأمس منعت حتى التواصل معهم، وحاكمت وحكمت بالسجن الفعليّ كل من عمل على هكذا تواصل؟! 

ربّما يبدو كلامي أعلاه للبعض كما “النائح في الحفل”، ولكني على يقين غير متزحزح، وحتى لا يضيع أهل الجبل بين عمائم وياقات كتلك وبالذات الإسرائيليّة، وعمائم وياقات من عندهم المرتبطة بتلك، ما لهم إلا أنفسهم ووحدتهم وأبناء شعبهم السوريّ بكلّ أشرافه من كل شريحة، وقبل كلّ ذلك جيشهم العربيّ السوريّ وقيادته ودولتهم.

الوقفة السابعة: صِدام 29 أيلول 2020

في الوقفات الآتية والمرتبطة بالحدث الأخير و”أَبطاله” يمّمت شطر مصادر غربيّة إنجليزيّة وبالأساس صحيفة الغارديان، وحتّى المصادر المعارضة، وذلك كي لا يقول “المتجمّلون” و\أو “المتنوّرون” إنّ مصادري هي الموالية للنظام.  

التفاصيل حول ما حدث في هذا اليوم، وأدّى حسب المرصد السوري المعارض إلى سقوط (15) ضحيّة من الجبل (قابل العدد إلى الازدياد) وعشرات الجرحى، وإلى 12 ضحيّة و63 جريحا من جماعة أحمد العودة- اللواء الثامن من الفيلق الخامس، كثيرة هي ولا حاجة للغوص فيها إذ يكمن الشيطان في التفاصيل. تعود جذور هذا الصدام العينيّ إلى آذار من العام 2020، ولكن جذور الصدام بشكل عام تعود إلى الحرب العدوانيّة على سوريّا واصطفاف كل من المنطقتين في معسكرين مختلفين، الجبل بالمجمل مع معسكر الدولة أو “النظام” مثلما يحلو للبعض الاستعمال كما قلت سابقًا، ودرعا بالغالبيّة في معسكر المعارضة المقاتلة لا بل منها انطلقت الشرارة. وقد كانت شهدت مناطق التّماس معارك شرسة بين الطرفين إبّان الحرب كما هو معروف، وعلى الغالب كان يحسمها الجيش والقوى الجبليّة الرديفة ولصالح الجبل، الدولة.

لا حاجة لطرح كلّ ما هو معروف ومن مصادر جبليّة “عليها العين” لا موالاة بمعنى الموالاة المتداول ولا معارضة، وليس من أصدقاء “فيس بوك” ولا معارف من نوعيّة “شهود ما شافوا حاجة” أو “قالوا له” أو حتّى “مرتبطة خارجيّا”، لأنه وبغضّ النظر لا طائل من طرح كلّ ما هو معروف ولن يفيد الرسالة المتوخاة من هذه المقالة في شيء، ولكن تكفي الإشارة إلى أنّ في الجبل- السويداء وفي السهل – درعا هنالك قوى كان وما زال لها ارتباطات خارجيّة مختلفة، ومنها مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر مع أدوات لإسرائيل، واليوم ما زالت على تلك العلاقات وإن كانت هذه القوى تأتمر بشكل مباشر بأوامر روسيا.

هذه القوى هي التي أشعلت الاشتباكات الأخيرة ولكنّ وقودها كان من بسطاء الناس وإن كان غطاء الأولى أنّها سيّرت دوريّات ردّا على عصابات اختطاف، أو كان غطاء الأخرى اعتداء على حدود أرض تابعة لبلدة القْريّة، هي في الواقع أراض كانت إبّان الحرب مواقع تماسٍّ عسكريّة شغلتها جماعة العودة وأخلتها بعد المصالحة تموز 2018، وظلّت غير مأهولة إلى فترة قصيرة قبل ال-29 من أيلول يوم الاصطدام.

يكتب رضوان الذيب في هذا السياق، في صحيفة الديار اللبنانيّة يوم 2 تشرين الأول 2020 الآتي:

“الاشتباكات بين ابناء جبل العرب واحمد العودة ليست بالجديدة وتعود لأكثر من سنة، حيث شن عودة هجومًا على بلدة القريّا بعد خطف مواطنين من إدلب في صلخد من قبل اعضاء عصابة معروفة، وقد دان مشايخ واهالي الجبل الخطف، وفيما كانت المفاوضات للإفراج عن الخاطفين جارية، شن عودة هجوما على القريّا بالقرب من السويداء وسقط اكثر من 23 شهيدا وعدد من الجرحى من ابناء السويداء ووقع مواطنون في الأسر وتمت تصفيتهم، وشن اهالي الجبل هجوما مضادا استردوا خلاله قسما من الاراضي، ودخل الجيش السوري وجرت محاولات لإجراء مصالحة لم يكتب لها النجاح بسبب تمسك عودة بدفع تعويضات للضحايا الذين سقطوا معه في الاشتباكات مقابل الانسحاب من اراضي القريّا، وبقيت المناوشات حتى انفجرت يوم امس الاول جراء استفزازات عودة والرد عليها من ابناء جبل العرب بهجوم وصلوا فيه لحدود بصرى وبعدها غادروا المنطقة بشكل عشوائي فتعرضوا خلال انسحابهم لقصف بصواريخ حرارية وكمائن وقناصة مما ادى الى سقوط العدد الكبير من الضحايا في صفوفهم وصل الى 20 قتيلا وعدد من الجرحى ، وهذا يعود للأسلحة المتطورة التي يملكها عودة. وعلى الاثر تداعى مشايخ الجبل وفاعليات جبل العرب الى عقد سلسلة اجتماعات وناشدوا القيادة السورية التدخل حيث لم تحرك قواتها اثناء الاشتباكات لكنها تدخلت بقوة لوقف النار وتامين انسحاب شباب السويداء مما حال دون سقوط المزيد من الضحايا.” .. هذه الوقائع وفي المصدرين أعلاه تؤكّدها المصادر الجبليّة العقلانيّة وتضيف عليها، وبلا رتوش! 

الوقفة الثامنة: من هو أحمد العودة؟!

الغارديان 13 تموز 2020 (The Guardian ) ترجمة: “لا يوجد في سوريّا شبيهٌ لأحمد العودة تقريبًا، ثائر سابق وقائد حاليّ مدفوع الأجر من الروس حلفاء بشّار الأسد. في نظر البعض هو خائن كان قد عقد صفقة عندما سقطت محافظة درعا في يد النظام قبل سنتين. في نظر آخرين العودة ابن ال-38 يبقى ثائرا واعدًا لإعادة بناء المعارضة المتشظيّة.” وتضيف الجارديان:

“روسيا في المرحلة الحالية من الحرب هي القوة الفاعلة في المنطقة الجنوبيّة والآخذة على عاتقها الحفاظ على التوازن المخادع في هذه المنطقة وإبقاء المواطنين العزّل جانبًا، وهي أيضًا تلعب بين المصالح المتناقضة في الصراع، مصالح دمشق وطهران وإسرائيل.” ويضيف التقرير:

“في حين أنّ أحمد العودة مكروه في السويداء، الكثيرون من أهالي درعا يضعون ثقتهم فيه لتأمين مستقبلهم. درعا استعيدت من قوّات الثوّار في تموز 2018. ومنذ ذلك الوقت كانت موضوع تجربة فريدة في سوريّا تعتمد التجربة الروسيّة في الشيشان… روسيا دفعت دمشق في اتّجاه صفقة مصالحة طبقًا لها يتمّ تجنيد ثوّار درعا في قوّة أمنيّة محليّة وبما يسمّى الفيلق الخامس.” (لمواجهة داعش والقاعدة، يضمّ كل القوى المعارضة المقاتلة في أنحاء سوريا التي لم تختر الانتقال إلى إدلب وفضّلت أن تبقى في مناطقها، وأحمد العودة قائد مجموعة شباب السنّة في الجيش الحرّ سابقًا، هو اليوم قائد اللواء الثامن من هذا الفيلق المتواجد في درعا – س. ن.). ويتابع التقرير في الغارديان: “الفيلق الخامس مدفوع الرواتب من موسكو ومن المفروض أن يتّبع الأوامر الروسيّة.”            

الوقفة التاسعة:أين “النظام” والصوت الدرزي الإسرائيلي؟!

بعد انفجار الأزمة السوريّة بفترة قصيرة نسبيًّا بدأت ظاهرة التخلّف عن أداء الخدمة العسكريّة الإلزاميّة والاحتياطيّة، وقد طالت هذه الظاهرة مناطق مختلفة من سوريّا ومنها السويداء (علمّا أنّ عدد شهداء الجبل في الحرب يناهز ال-4,000 شهيد عسكري، حسب مصادر جبليّة وال-10,000 حسب مصادر صحافيّة يشمل العسكريّين والمدنيّين). الدولة السوريّة بدأت بحملة اعتقالات ضدّ المتخلّفين وفي العام 2013 تحديدًا وبناء على تدخّل مشيخة العقل، تمّ التوافق مع الدولة على أنّ المتخلّفين ينضمون إلى سرايا حماة الديار والتي يقودها نزيه جربوع نجل شيخ العقل السابق حسين جربوع، وإلى وحدات حماية للقرى المختلفة. هذا التوافق دأب من دأب على أن يفشل ووصل الأمر إلى العام 2015 حيث ظهرت حركة ما يسمّى “رجال الكرامة” التي تبنّت قسمًا من هؤلاء وشكّلت ميليشيا خاصّة ومن خلال توجيه أسهمها للدولة والنظام، وسلّمت الدولة مع هذا الواقع (إعفاء المتخلّفين أو غضّ النظر) شرط أن يقوم الجميع على حماية الجبل. وظلّ الجيش العربيّ السوريّ بناء ونتيجة لهذا الموضوع متواجدّا في أكناف الجبل ولكن بقوى محدودة، اللّهم إلا عند تعرّض الجبل لهجوم كبير كان يتدخّل.

الهجوم الأخير 29 أيلول 2020 جرى في هذا الوضع؛ اللواء الثامن بإمرة الروس، الجبل تحت حماية القوى أعلاه بناء على رغبته ونتيجة للأمر الواقع فيه كما وُصف أعلاه. ومع هذا تدخّل الجيش بناء على توجّه الفاعليّات الجبليّة كما جاء أعلاه، وبعد أن انسحب الفصيل الأساسي من المهاجمين (الكرامة) بأوامر (!) ودون أن يعلم شباب “الفزعة” بانسحابه فوقع شباب “الفزعة” فريسة للقناصين والصواريخ الحراريّة وبدأ يتساقط منهم الشهداء. وعلى الأثر وكما جاء أعلاه: “تداعى مشايخ الجبل وفاعليات جبل العرب الى عقد سلسلة اجتماعات وناشدوا القيادة السورية التدخل حيث لم تحرك قواتها اثناء الاشتباكات لكنها تدخلت بقوة لوقف النار وتامين انسحاب شباب السويداء مما حال دون سقوط المزيد من الضحايا“.

الوقفة العاشرة: الخلاصة

لا أجدّد إن قلت إنّي أقف في صفّ سوريّا بشعبها وجيشها وقيادتها، وأنا أعرف أنّ القيادة السوريّة و\أو ما يُسمّى النظام ليسوا منزّهين وقد ارتكبوا في حقّ السوريّين وهم منهم، الكثير من الأخطاء وحتى الخطايا قبل الحرب على سوريّة أو خلالها، ولنا موقف من ذلك لم نقله وحسب وإنّما كتبناه وفي أكثر من مناسبة أو سياق. ولكن هذا التصرّف والوقوف ضدّه وإدانته شيء، والوقوف ضدّ النظام وإدانته وهو يخوض معركة وجود لغالبيّة الشعب السوريّ (الواقع أقوى من كلّ اجتهاد) وفي وجه أعداء الأمّة وقضاياها خليجيّا وإسلامويّا وصهيونيّا وأوروبيّا، وما دمنا نحكي عن ال-48 فكذلك فلسطينيّا وإن حدّدنا منهم العرب الدروز فأهليّا، فهذا شيء آخر… وعلى هذا وأبعاده يدور النقاش.

ولا بأس من تكرار ما جاء في الوقفة الخامسة: الحرب العدوانيّة على سوريّة هي حرب وجود وحتى إن لم تكن كذلك في البداية أو حسبها البعض أنها لم تكن كذلك، فهي حرب وجود على سوريّة الدولة وعل سوريّة أطياف شعبها وخصوصًا المصنّفين كفّارًا، فلا هزيمة في حروب الوجود فإما النصر أو النصر. ومثل هكذا حروب هي طويلة، ولا حاجة أن يكون الإنسان خبيرا عسكريّا، ليقرّر أن في مثل هكذا حروب، المحارب بحاجة ل”راحة محارب” وبحاجة لترتيب وإعادة تموضع، والتموضع يتم عادة في الأماكن التي يأمن فيها ظهيره، والجبل لم يكن يوما إلا ظهيرا وطنيّا قوميّا أمينًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى