الثقافة الدينية في ديوان سدرة المشتهى لـ” إياد شماسنة “

رائد محمد الحواري| فلسطين

يؤكد الشاعر في هذا الديوان على أن الشعراء هم حماة الحلم، وحاملي الرسالة، فهو ما زال حاملا الحلم، ويدعو لإيصال الرسالة، متشبثا صابرا جلدا، فرغم بؤس الحال، إلا أننا نجد صوت المؤمن، الواثق بحتمية الخلاص ، والتقدم نحو الأمام، فالديوان يحمل روح التحدي والمواجهة، وكأن حالنا ليس حالنا، وهذا الأمل/وهذه الروح هي ما يميز ديون “سدرة المشتهى” لكن هذه الروح لم يقدمها الشاعر بألفاظ جامدة، جافة، بل بلغة شعرية تسهل وتحبب القارئ للتقدم منها، وهنا يكتمل الجمال، المضمون والشكل.

إذا ما توقفنا عند العنوان نجد الثقافة الدينية حاضرة فيه: “سدرة المشتهي” حيث يأخذنا إلى سورة النجم وعند الآيات التي تقول “ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى” وهذه الثقافة انعكست على قصائد الديوان”، فنجد العديد من القصائد فيها الثقافة الدينية، والعديد منها فيه تناص مع القرآن الكريم، وهنا تكون القصائد منسجمة ومتوحدة مع العنوان.

أما بخصوص (تغريب) “المشتهى” بل “المنتهى”، فهو يؤكد على أدبية الديوان، فهو يبقى ديوان شعر، وليس نصا دينيا، من هنا سنحاول اضاءة شيء من هاتين المسألتين، الدينية والأدبية.

يقول في قصيدة “فتنة سمراء”:

“أريد أن أرتوي

يا سيد الظمأ، من فتنة العين

أومن رقة الرشا

وأشتهي أن أرى عينيك في وطني

كي أسترد الذي في جنتي سبأ

يجيبني هدهد الرؤيا: فيخبرني:

أن المواسم لي:

إن كنت مبتدأي.

وأنك الروح في سري أخبئها،

والشوق في القلب جمرة غير نختبئ”

 

الرسالة حاضرة من خلال: “في وطني”، والثقافة الدينية في: “جنتي، سبأ، هدهد”، أما الأدبية/الشعرية فنجدها من خلال أخذ المقطع بمجمله، الذي قُدم بألفاظ غلب عليها البياض: “أرتوي، العين، رقة، الرشا، وأشتهي، أرى، عينيك، وطني، جنتي، سبأ، يجيئني، الهدهد، الرؤيا، فيخبرني، المواسم، الروح، والشوق، القلب” فالألفاظ بشلكها/بمعناها المجرد تخدم فكرة البياض.

وقد استخدم الشاعر أكثر من صوت في هذا المقطع، صوته هو، وصوت الهدهد، وهذا يقدمنا من القرآن الكريم والحوار الذي تم بين سليمان والهدهد، وهذا الأمر يؤكد على أن الشاعر يكتب من خلال اكتنازه وهضمه الثقافة الدينية.

وفي قصيدة “تجربة لانعدام الوزن” يقول:

“هو العمى كل رجس في عمامته

وهو الذي

أربك البحارة والسفنا

وهو الذي

لم يقل للسامري كفى

لا تصنع العجل، لا تفتن من افتتنا

لم يتخذ جبلا حتى نلوذ به

لم نصنع الفلك كي تجري بأعيننا”

أيضا نجد الثقافة الدينية حاضرة من خلال: “رجس، عمامة، للسامري، تصنع العجل، لا تفتن، لم يتخذ، يصنع الفلك، بأعيننا” واللافت في هذا المقطع أن الشاعر يكثر من استخدام حروف النهي “لم، لا” وأسماء الاشارة : “هو، به” وهذا الاستخدام منسجم مع فكرة الطوفان سفينة نوح، و مع اليهود عجل السامري، وكأن عقله الباطن أخذه إلى أحداث قاسية ومؤلمة، فجعله يستخدم النواهي “لم، لا” ويحذر ـ كحال الأنبياء ـ وأيضا جعله يستخدم “هو”.

ويقدم قصة يوسف بطريقة حديثة، يقول في قصيدة “أكله الذئب”:

“أكل الذئب أخانا

يا أبي

إنه الآن عدو العرب

هل تصدقنا.

بأنا لم نكن ننصر الذئب

على صدر النبي؟

نحن رحنا نمعن الركض

ولم ننتبه

أن الأذى في الملعب

ربنا يعلم عن أحزاننا

كم بكينا

في قميص رطب

يا أبانا

أين رؤياه التي قد رآها عن

سجود الكوكب”

فكرة القصة حاضرة في القصيدة، من خلال: “أكل الذئب أخانا، رحنا/تركنا/، الملعب/يلعب، “قميص/قميصه، نركض/نستبق، هل تصدقنا، وما أنت بمؤمن لنا ولو كانا صادقين، كم بكينا/ جاؤوا أباهم عشاء يبكون، أين الرؤيا/أني رأيت، سجود الكواكب/أحد عشر كوكبا والشمس والقمر لي ساجدين” فرغم أن القصة معروفة إلا أن الشاعر يعمل على تعريبها، من خلال التقديم والتأخير في الأحداث، وأيضا من خلال وضع عبارات جديدة “عدو العرب”،

من هنا نقول ان الشاعر لا ينسخ الصورة/القصة، بل يضع لمسته الخاصة عليها، فتأتنا بشكل جديد يستوقفنا، لنفكر فيما أحدثه من تغييرات وتجديد ، لنتقدم من القصة بصورة جديدة، فمن أهداف (الغريب) جعل المتلقي يتوقف متفكرا فيما يقدم له، رغم معرفته بالأحداث/الشخصيات.

ويقدمنا من قصة “ابني آدم” في قصيدة “القربان”:

“قابيل، كيف قتلتني؟

وبيديك رحت دفنتني؟

وأنا أخوك

 

وأنت لي

كل اليقين الممكن

إنا خلقنا ها هنا، حتى

نُعين ونغني

الأرض واسعة لنا والحب

نهر المؤمن

وأقمت تحسدني على قدري

وما أنصفتني”

وأيضا، ورغم أن القصة معروفة، إلا أن الشاعر يغرب الأحداث من خلال إعادة الحياة “هابيل” الذي يخاطب قاتله متسائلا: “كيف قتلتني، وأنت لي، إنا خلقنا، وأقمت تحسدني، ما انصفتني”، ف(عتب) “هابيل” على قاتله “قابيل” يأخذنا إلى ما هو أبعد من مجرد كونها قصة، بحيث يمكننا اسقاطها علينا نحن في فلسطين، وكيف أن (أخوتنا) قتلونا كما قتل قابيل هابيل، من هنا نقول أن جمالية التغيب في القصائد خدم فكرة التحرر من القصص وشخصياتها، وجعلنا نتوقف متفكرين في حالنا، فيما نحن فيه.

الديوان من منشورات موزاييك للدراسات والنشر/تركيا ، الطبعة الأولى 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى