مـاء اليـاقـوت

عبد القادر الحصني-شاعر سوري

ذات صباحٍ
في صحن الدَّير
بينا كانت راهبةٌ تعقدُ زنار الفجرِ
على عطفيها
والنَّاسُ نيامْ
فرَّت من بين يديها أعمالُ الأيدي والأيامْ

وانحلَّ قليلٌ من دفء الشَّمس الناعمِ
في ماء الحوض السّاكنِ ..
وعلى ورق التوتْ

هوَّم زغبٌ ملكيٌّ فوق محارتها،
واستيقظ ماءُ خليجٍ دهريٍ ،
فاض على أبهاء الملكوتْ
***

انتبهتْ، فرأتْ طفلاً يقعدُ،
ويدلّي ساقيه
على حافة قلبي
وهو يجاذب خيطَ الطائرةِ الورقِ
بإيقاعٍ، ينهض بذراعيهِ
إلى آخر أعلى يمكنهُ، ثم يعودْ

رمقتني، فشعرتُ بشيءٍ من صمتٍ
مخلوطٍ بسكوت
ورأيتُ خيالي قمراً يتقطَّرُ في أنبيق الليلِ
يُشِّرقُ من ” بستان الدّيوان “
إلى ” حيِّ الشرفة “
يعبر باب ” كنيسة سيدة الزنّارِ “
يرشُّ غباراً ذهبياً في هالات القدّيسين
ويشرب قدحاً مع ” ديك الجِنِّ “
فتعبر آنسةٌ
مثلَ النَّسمِة
قربي
دارةُ ” تغريدٍ ” في الجهة اليمنى
وعلى الجهة اليسرى قلبي

لكنَّ الخيطَ المتوتّر كان يشدُّ الطفلَ
وكان الطفلُ يشدُّ الخيطَ
ومثل ضبابٍ أحمرَ
مثل بخار نبيذْ
مسَّ شغاف الروحِ لذيذْ
ألقتْ بيديها فوق يديَّ ،
على الخيط المتوتّرِ
قالتْ: حلوٌ هذا هذا اللعبُ
يكاد يهنّئني ،
هنّئني أكثرَ ..

أقبل بالجسد المترنّح رئماها الفضِّيّانِ،
وأدبر كوكبُها الدُريُّ ،
وساح على حقل القمح المُسْتَحصِدِ قطراتٌ
من ماء الياقوتْ
بينا كان الخوفُ الغامضُ يرعشُ أوصالي
فأنا أعرف أنَّ الخيطَ إذا ما انقطعَ
ستنفلتُ الطَّائرةُ،
وينزلق الطِّفل القاعدُ
عن حافة قلبي
وأموتْ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى