عن صدام حسين ومعمر القذافي

توفيق شومان | مفكر وخبير سياسي لبناني

من مفارقات بعض العرب ، ذاك العويل على شخص مثل صدام حسين وشخص مثل معمر القذافي .
أكثر تلك المفارقات سقوطا وتزويرا ، تشبيه صدام حسين ومعمر القذافي بالشهيد القائد ـ النموذج عمر المختار وأيقونة المقاومة العربية والجزائرية جميلة بوحيرد ، وأمثالهما من قادة النضال والمقاومة من عبد الكريم الخطابي إلى ياسر عرفات والسيد عباس الموسوي.
عملية الجمع بين القاتل والشهيد ، محصلتها إيجاد رابط لا يمكن ان يكون موجودا بين قاتل ومجاهد وبين مقاوم وسفاح .
هنا، قد لا يفيد الحديث عن مفارقة الجمع بين متنافرين، تماما مثلما هي حال الجمع بين الغابة والصحراء ، فالحاصل في هذه الصيغة الحسابية ليس اثنين بل واحدان أو وحدتان، وكذلك الاستفاضة في الأمثلة لا تتيح الجمع بين مناضل وقاتل، أو بين مجاهد وسفاح ، وعليه فإن حاصل الجمع بين عمر المختار وجميلة بوحيرد يساوي مناضلين أو مجاهدين ، وأما إلحاق صدام حسين ومعمر القذافي بقافلة المجاهدين والشهداء ، فإن الحاصل يخرج عن مألوف الحساب والعقل والمنطق والأخلاق والإنسانية ، إذ لا يمكن الجمع بين من قتل شعبه وبين من قاتل الإستعمار أوالإحتلال .
سبق القول إن الحديث عن مثل هذه المفارقة فاقد للفائدة والقيمة ، وخصوصا ان تحويل صدام حسين ومعمر القذافي “مناضلين وشهيدين للأمة ” هو أمر يفرض مقاربة الموضوع من زاية نفسانية يختلط فيها مفهوم المقاتل ومفهوم القاتل .
وبما يرتبط بصدام حسين بالتحديد، وإدراجه شهيدا قارع الاستعمار والإمبريالية والغزو الخارجي، لا بد أولا من الإلتفات إلى أن إسقاط صفة النضال على صدام حسين ، لم يعرفه العرب في ذروة الحشد «الإنجلو ــ أميركي» ضد العراق في الأسابيع أو الأيام التي سبقت دخول الأميركيين العاصمة بغداد في آذار/ مارس عام 2003، إذ لم يحدث إلا على سبيل الندرة والاستثناء، أن ذهب العرب إلى إسباغ صدام حسين باللبوس النضالي، بل إن الفترة التي سبقت وتلت سقوط نظامه في العراق، كانت حافلة بالتفريق بين النظام ورأسه من جهة، والوطن العراقي من جهة ثانية، ولذلك ذهبت الأدبيات السياسية العربية الى توكيد جرمية صدام حسين وطغيانيته وتحميله أوزار البعثرة والفرقة العراقية الداخلية، ولكنها في جانب آخر، اتخذت وجهة الرفض لكل المرحلة التي أعقبت انهيار النظام العراقي، باعتبارها (المرحلة) نتاجا احتلاليا.
المنطق السابق الذكر ينطوي على معايير منطلقة من صواب سياسي ينهض على ثابتة نبذ الاحتلال مهما كان لونه وصنفه وريحه، ولكن ان يتحول صدام حسين ومعمر القذافي شهيدين ـ قائدين، وبما يختزن هذا المفهوم من رمزية دينية ودلالة وطنية ، فالأمر حينذاك يفرض تناوله من جوانب منفصلة عن السياسة والدين معا، وهذا بيت القصيد الأول وفي مضمونه صفة الرمز :
عموما، لا تكتمل صورة الرمز إلا بالشهادة، ، والشهادة بالمفهوم الوطني ينالها من يقاتل عدوا او مستعمرا ، وهذه المفهوم لا ينطبق على صدام حسين ولا على معمر القذافي ، وأما الشهادة بالمفهوم الديني ، فمتطلباتها وشروطها معروفة ، حيث يأتي على رأسها الإختيار الإلهي والسلوك الديني للمرء نفسه ، فضلا عن المحركات الدافعة للجهاد والقتال، ومجموع ذلك وغيره يبقى في علم الله ، وهذه المتطلبات والشروط لم يعهدها أحد في شخصية صدام حسين ولا في شخصية معمر القذافي .
يبقى المفهوم الجاهلي ل “الشهادة ” وهو مفهوم يتصل بصورة البطل او الفارس في الثقافة الجاهلية ، والأخير في التقليد العربي الجاهلي ، هو ” فارس” العشيرة أو القبيلة ، ومن غير المهم كيف يكون سلوكه مع الأهل والأقربين (راجع سيرة الزير سالم ـ إمرىء القيس ـ عنترة العبسي ـ ) فالغاية والسبيل دفاع عن رأس القبيلة وشيخها ، من دون مساءلة أو مكاشفة ، وواجب القبيلة حينذاك الوقوف مع ” فارسها “، والطامة الكبرى انه إذا فاز ذاك الفارس وكسب ارتد على العشيرة أو القبيلة ، وإذا هلك وهزم، تحمّلت العشيرة أو القبيلة أوزار أفعاله، ومع ذلك فلا العشيرة ولا القبيلة تفرّط بـ” فارسها ” و” بطلها ” على قاعدة أولى تقول بنصرة الأخ ظالما او مظلوما ، وعلى قاعدة ثانية تقول بامتهان الكرامة والشرف ، وما هي الكرامة ؟ وما هو الشرف ؟ فالكرامة يختصرها ” شيخ القبيلة ” والشرف يوجزه بطل القبيلة ، فلا كرامة للقبيلة بدون شيخها ولا شرف للقبيلة بدون بطلها ، حتى لو كان ابليسا وشيطانا رجيما .
إن محصلة ما مر من كلام يتصل بالمراوحة على الثقافة الجاهلية التي تستغرقها القسوة والبطش والطغيان ، حيث الرمز جلاد، و«الشهيد» جلاد، والبطل جلاد، وعلى هذه القاعدة، لا تختلف مآثم الأسبقين عن اللاحقين من بعض العرب، إلا في طريقة استقدام الملائح والمكرمات لـ” الشيخ ــ الرئيس”، فقديما كانت القصيدة أداة تمجيد وإشادة ، فيما الإعلام الحديث استخلفها راهنا ، مضموما إليه قدرة اللسان الذرب على الحركة والقول بهدف استجرار عويل الضحية على جلادها.
من روائع ما كتب ناقدو الحقبة السوفياتية الراحلة، عن بكاء الضحية على الجلاد، ما قاله الشاعر المعروف رسول حمزاتوف ، إذ يسرد قائلا : حين بلغ خبر وفاة الدكتاتور جوزيف ستالين معتقلي الرأي في السجون السوفياتية (وكانوا بالآلاف) راح المئات منهم يندبون وينتحبون، إذ لم يدخل في مخيلة أحدهم، ان رجلا مثل ستالين يمكن ان يغادر الحياة الدنيا، ووصل أمر بعضهم الى ضرب رأسه بقضبان السجون حتى سقط صريعا.
ما يمكن ان يقال أيضا عن خاتمة صدام حسين ومعمر القذافي ونهايتهما ، ان نعتهما بـ” الشهيدين ” يؤسس لثقافة عربية عمياء ، لا ترى فرقا بين الجلاد والمجاهد ، ولا تقيم وزنا للفروقات الهائلة بين القاتل والمقاتل ، ولا تأخذ بالإعتبار حدة الفرق بين من يقاتل في سبيل التحرر من تبعية الخارج وبين من يقاتل في سبيل سلطة البطش والطغيان .
مقابل الثقافة العمياء ، هناك ثقافة البصيرة ، وفي أبجديتها ونصوصها عمر المختار، وجميلة بوحيرد، وعبد الكريم الخطابي و يوسف العظمة، وعز الدين القسام، و ياسر عرفات والسيد عباس الموسوي، أو غيرهم ممن ملأوا صفحات القرن الماضي نضالا ومقاومة ، حتى لا يصار إلى العودة إلى عهود الأنبياء والأولياء الصالحين.
يبقى قول أخير عن ثقافة البصيرة :
خلال مقاومة أهل الجنوب اللبناني للجيش الفرنسي بعد الحرب العالمية الاولى ، برز المناضل أدهم خنجر الدرويش ، وعلى حاجز عسكري أقامه مناصروه على جسر الخردلي ، اختطف بعض مناصريه إمراة مسيحية ، ، وعلى ما يروي الشيخ أحمد رضا في مذكراته ، لما عرف أدهم خنجر الدرويش بالواقعة الشعناء، جاء مسرعا وغاضبا إلى جسر الخردلي متأبطا عنفوانا ونضالا وصرخ بوجه من اختطف المرأة وقال : ويحكم … اتركوها … نحن نقاتل من أجل الشرف ولا يمكن أن نقوم بأفعال تنافي الشرف .
كم إمراة اختطف صدام حسين وأنجاله ؟ وكم إمراة اختطف معمر القذافي وأبناؤه ؟.
تعالوا نسأل العراقيين والليبيين …
تعالوا إلى ثقافة البصيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى