في النقاش حول اللجنة البرلمانية لمكافحة الجريمة

أمير مخّول | فلسطين
القول إنّ الجريمة والعنف هما نتاج مجتمعنا، يكون هذا صحيحا في حال حصرنا النظر في هوية المنفذين وهوية الضحايا، لكنها بالاساس نتاج الواقع الاسرائيلي بكل تجلياته العنصرية البنيوية المتجذرة والتهويدية والاقصائية، ونحن ندفع ثمن إسقاطاتها.

كما وأعتقد أن، المسألة ليست تقصيرا بقدر ما هي تحديات كبرى ليس بالضرورة ان ينجح المجتمع الفلسطيني بقواه الذاتية بمواجهتها والتخلص منها.
ليس الأمر مبدئيا بحدّ ذاته بشأن مشاركة رئيس حكومة بشكل عام في بحث برلماني لموضوع العنف في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل. الموضوع هو سياسي وحصري، وهل من الصحة مشاركة نتنياهو أم لا؟
منذ سنوات ومجتمعنا في الداخل ينزف بكل معنى الكلمة، وللدولة وأذرعها القدرة لو ارادت (والتشديد على: لو أرادت) أن تقضي على الجريمة. سطوة الجريمة المنظمة هي على المجتمع، لكن بالطبع ليس على الدولة لأن قوة الاخيرة هائلة (لو أرادت)، وكل السلاح وكل اقتصاد الجريمة المنظمة مكشوف امامها، وكذلك كل الهرم التنظيمي للجريمة، كما أن كل جراح مجتمعنا مفتوحة أمامها. نتنياهو يدرك كل ذلك ولديه كل التقارير بهذا الصدد، وقد قرّر عمليا ان يتواصل المشهد. وقد تكشف لنا ارشيفات الدولة بعد عقدين او أكثر أن الجريمة لم تكن نتاج المجتمع بل كان من ارادها لنا، ولسنا بحاجة الى الادلة المباشرة كي ندرك تجليات سياساتهم.
قد نشهد تحوّلا في تعامل الدولة في حالتين، واحدة كما بدأ في العام الماضي في حملة لجنة المتابعة، الشعبية ومظاهرات الغضب واغلاق الطرق الرئيسية والسعي لتعطيل مجمل الحركة الى حين توفير الأمان، وهي الجملة التي انقطعت جماهيريا مع حضور وباء الكورونا، وقد نشهد ذاك التحول من قبل الدولة في حال وجهت الجريمة أسهمها تجاه المجتمع اليهودي، فالجريمة لا تفرّق على اساس العرق بل على اساس الهوامش السهلة لعملها، في حين أن تعامل الدولة هو الذي يفرّق، ويجعل المجتمع العربي الفلسطيني هامشا سهلا تستضعفه الجريمة وتستهدفه.
اللد كنموذج:
ثلاث جلسات حكومة عقدت في العقد الأخير لمناقشة تصاعد الجريمة في مدينة اللد. إضافة إلى جلسة حكومة في مجلس بلدية المدينة وجولة لرئيس الحكومة نتنياهو في المدينة. واعتبرت إسرائيل أن مسألة الجريمة في اللد هي مسألة أمن قومي في مركز البلاد. وأعدت خطة لاستقدام خمسين ألف يهودي إلى المدينة، وحين اعتبرت الحكومة أن الجريمة عربية والمعاناة يهودية فقد حضرت الدولة.

إن المخطط الحكومي هو ليس القضاء على الجريمة في اللد، بل إخراجها من القسم اليهودي للمدينة ودفعه نحو اللد العربية التاريخية ونحو القرى والمدن القريبة. وهكذا تصبح الجريمة خارج الحدود حسب الذهنية العنصرية.
وحين أراد لداويون عرب التحدث والتعبير عن معاناتهم امام نتنياهو مُنعوا من ذلك، لولا انهم فرضوا حضورهم بالقوة، لينسحب نتنياهو بدلا من أن يصغي لمطالبهم.
إن تصريحات رئيس بلدية اللد بأن الجريمة من سمات العرب، هي تصريحات من مدرسة رئيس الحكومة وتتماشى معها. طبعا لم يخطر ببال نتنياهو أن يندد بها، بل يريد أن يقطف الثمار السياسية من جرح جماهير شعبنا.

وعليه من الأهمية بمكان كانت المظاهرة أول أمس للتنديد بتصريحات رئيس البلدية ومطالبته بالاعتذار.
نحن نريد خطة حقيقية لمواجهة الجريمة، وبمستطاع الحكومة وضع خطة كهذه دون علاقة بالجلسة البرلمانية بهذا الصدد، لكن نتنياهو معنيّ بالعلاقات العامة له، ومعنيّ برلمانيا وحزبيا بتشتيت القائمة المشتركة التي حال وزنها دون تشكيله للحكومة التي يرتئيها من خلال كتلة أقصى اليمين. وأن يكسب الشرعية السياسية بين جماهير شعبنا التي يسعى لنزع شرعيتها ليل نهار، والتي يرى بها عدوا وهدفا دائما صوّب نحوه سهام تحريضه العنصري.
في النقاش حول المشتركة وخيار لجنة المتابعة:
وملاحظة حول النقاش الدائر، اعتقد انه حتى في المواضيع الخلافية، من المفيد أن نفكر بمن يريد دقّ الأسافين فيما بيننا، ودون التقليل قيد أنملة من جوهر النقاش وعدم التعاطي مع نوايا نتنياهو، فلا يعقل ان يجري النقاش بلغة التخوين.
هناك اختلافات جوهرية في التوجهات ومنها من يرى بالبراغماتية قيمة تخدم هدفه في ردع الجريمة ومنها من يرى بالرادع الوطني السياسي الاخلاقي قيمة أعلى، وانا انتمي الى الموقف الثاني دون التراجع عن فرض حالة تضطر الدولة الى القضاء على الجريمة وضمان الأمان لجماهير شعبنا التي من دونها، وكما أكدت المظاهرة الجبارة قبل عام، لن يرتاح بال أحد، وسننقل المعركة الى الساحة الإسرائيلية مهما كان.
في المقابل، يجدر الالتفات له، وهو أنه إذا كانت نوايا المؤسسة الحاكمة إضعاف المجتمع الفلسطيني والقضاء على مواطن قوته، فإن الحفاظ على وحدة الموقف في المشتركة هو عامل حاسم، ويدعو إلى الامتناع عن دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية.
قد تبقى المشتركة وقد لا تكون مستقبلا، والخلافات والاختلافات هي جزء من تعددية مجتمعنا، وعليه ادعو في مثل هذه الاشكالات السياسية الى اعتماد مرجعية واحدة وهي لجنة المتابعة العليا، فالحديث هنا عن موقف يخص كل جماهير شعبنا بكل تياراتها وليست محض مسألة برلمانية عادية. اعتماد لجنة المتابعة في مثل هذه الحالة وقبل اتخاذ قرارات، وفي هذه الحالة دعوة نتنياهو، لا ينتقص من أحد بل يعكس السلوك القيادي ويعزز كياننا الجماعي.
(ملاحظة هذا النص جرت كتابته قبل معرفة حيثيات الجلسة التي عززت التمايز في الموقف، وأكدت أن الدعوة لم تكن نتاج سذاجة سياسية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى