الرواية وغياب الأدب
د. موج يوسف| ناقدة أكاديمية – العراق
نسمع عن المحرر الأدبي في دور النشر ووظيفته في رفع نسبة مبيعات الكتب، وهذه الصفة تنعدم عندنا في بلداننا العربية إلا في دار واحدة او اثنتين، وهناك من الأدباء من ينقح كتبه قبل الطبع بشكل هستيري مثل الروائي الفرنسي(انتاتول فرانس)، إذ كان يعيد صياغة العبارة ثماني مرات.
في فيلم (GENIUS) تتكشف لنا سيرة المحرر الأدبي (ماكنس بيركنز).
الفيلم لم يهتم بتفاصيل (ماكنس) على مستوى النشأة والأسرة وإنما سلط الضوء على عمل هذا المحرر الذي أسهم في إطلاق نجوميّة عدد من الأدباء الكبار في سماء الإبداع الثقافي أمثال (سكوت فيتزجيرالد) و(ارنست همنغواي) اللذين ظهرا بأدوارٍ ثانوية بالفيلم، لكنّ الدور الأساس كان عند اكتشاف موهبةٍ
جديدة وهي الكاتب (توماس وولف) بدور الممثل (جو دولو) فآمن المحرر ماكس بدور الممثل (كولن فيرث) بموهبة العبقري وولف، فسرعان ما انتشر صيته في روايته الأولى بعنوان (أيها الملاك تطلع باتجاه بيتك عام 1929) فتربعت على عروش الكتب الأكثر مبيعاً والتي خضعت لتحرير ماكنس الذي قلصها إلى 300 صفحة. يظهر في الفيلم أن توماس قد رُفضتْ أعماله الأدبية في الكثير من دور النشر حتى صادف ماكنس وشجعه على مواصلة العمل الأدبي الثاني، والذي صدر بعنوان (عن الزمن والنهر)، وأحد مشاهد الفيلم تظهر أن الكاتب قد أراد إضافة فقرة للرواية فرفض ماكنس لأن الفقرة قد تأخذ منه عاماً كاملاً، لكن توماس قد قرأ له الفقرة إنها إهداءٌ للمحرر، وما لفت نظري قول ماكنس(دوماً ما ينتابني الخوف من تشويه كتابك).
بعد الاستهلال الذي اجبرني للوقوف عنده سأضع رحال سطوري الأخرى عند الأدب في عالمنا العربي، فبعد انتشار الرواية وإقبال الجمهور عليها بشكل كبير، وفتح أبواب الجوائز، صار هذا الجنس الأدبي من أكثر الأجناس استسهالاً وكاتبه المرموق ينتج في كلِّ عام عملا، وربما عملين أحياناً ولا أعلم متى خرج من تأثير العمل الأول وأفكاره ثم شرع بكتابة الثاني؟، عودة إلى الفليم في أحد المشاهد يذكر توماس أنه يعيش مع الكتابة وحتى الأشخاص الذين يقابلهم هم شخصيات لرواياته، فكيف لهذا الأديب أن ينتج كما هائلا من الروايات؟، والأهم هل هذه الأعمال الروائية العربية صالحة للصدور وتمتلك مقومات الادب الحقيقي؟، فإحدى الروايات لكاتب عراقي صدرت مؤخراً بعنوان (سعاد والعسكر) فيها أخطاء إملائية ولغوية بشكل ملفت للنظر، فضلاً عن الأعمال التي امتلأت بسرد تاريخي متوفر في (اليوكيبديا) ولا جهد للروائي سوى التحرير الصحفي، فرواية فكشنري لميسلون هادي في صفحة 128 و129 تقول (توبة الذي قال لي بأنه ولد في العام الذي دخل فيه الحوت إلى نهر دجلة ووصل إلى قصبة النبي عزرا المعروف بالعزيز وقد حدد دخول الحوت بالعام 1880 احد موظفي شركة الملاحة التجارية النهرية في العراق…) وفي موضع اخر من صفحة 99 (في صبيحة يوم النحر هو العيد الأكبر يكون عموم الحجاج وصلوا إلى المنى يقصدون من فورهم رمي جمرة العقبة ..) وهذا السرد تقريري وهو معروف عند أي شخص فمثل هكذا نصوص هي بمثابة حشو لزيادة عدد صفحات الرواية ولا صلة لها باللغة الأدبية ولا حتى بفن الرواية.
وفي عمل آخر بعنوان (المدعو صدام حسين فرحان) في صفحة 20 يقول عن طقس ميلاد زوجة البطل التي قاربت على الخمسين عاما (تأتي بشجرة الميلاد من غرفة المخزن العلوية وتضعها في الصالون تقوم اولاً بتنظيفها من الأتربة ثم تقوم بتعليق الزينة.. تستحم لساعة ثم تجفف شعرها وتسرحه بالشيسوار.. ننتقل بعدها إلى السرير ثم نمارس حتى الصباح ما لانمارسه طيلة الأيام الأخرى) وعلى مدار الرواية توجد هكذا نصوص فنلحظ افتقارها للوصف، ضعف المشهد او عدم وجوده والسبب أن هذا السرد إخباري.
فعن الأسلوب الأدبي نعود إلى شيخ النقاد الجرجاني في دلائل الإعجاز يقول (والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، ونجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتمّ ما تكون بياناً إذ لم تبن)، وللأسف وقع الكثير من الكتّاب في سجن التكرار الذي أدى إلى ركاكة العبارة، فرواية فرانكشتاين في بغداد في الصفحة 167 الطبعة 3 عن دار الجمل يقول (المجنون الصغير احتل الطابق الأرضي من اتباعه القادمين من مناطق مختلفة.. والمجنون الصغير رقم 2 والبقية اخذوا الأرقام 3، والمجنون الكبير شغل بضع شقق الطابق الثاني، اما المجنون الأكبر فأخذ الشقتين في الطابق الثاني).
نلحظ تكرار اللفظ للمجنون والشقق أضعف النص وأزاح الرونق عنه وشتت القارئ، فوقعنا في سجن الملل. الرواية العراقية بل العربية بمعنى أدق تحتاج الى إعادة كتابة؛ لافتقارها للسرد الأدبي، وفنون الكتابة الأدبية فضلاً عن عدم استيفائها شروط الرواية.