لو سألني جورج قرداحي

نبيل عمرو | فلسطين

من حق أي انسان ان يتطلع ويسعى الى مواقع عليا في بلده، فالطموح غريزة إنسانية إذا ما احسنت خدمته، توصل الطامح الى ما يسعى، واذا ما صابها خلل في الحساب واختيار التوقيت فستكون النتيجة عكسية تماما ومفتوحة على كل الاحتمالات السلبية.

جورج قرادحي من القلائل في تاريخ الاعلام العربي من كان يجمع الملايين حول شاشات التلفزيون لمتابعة برنامجه الشيق والناجح “من سيربح المليون” واذا كانت برامجه الأخرى لم تتوازى او تتفوق كبرنامجه الأول، الا انها أيضا كانت مهمة في تكريس شخصيته كاعلامي ناجح.

كان جورج الذي انتجته حاضنتان مهمتان هما الفرنسية في مونت كارلو والسعودية في الـ MBC دون اغفال اثر امكانياته الشخصية في النجاح، كان بعيدا عن الانخراط في تشكيل سياسي حزبي او عقائدي، وكان كلما تحدث في السياسة يحرص على ان تكون لغته مقبولة جماهيريا، حتى انه كان يتحدث عن الوحدة العربية والإسلام على نحو اثار اعجاب كل من سمعوه.

انتقال الإعلامي الى الرسمي السلطوي وخصوصا في عالمنا العربي وخصوصا كذلك في لبنان هو بمثابة انتقال من فضاء لا متناهٍ يحلق فيه المبدع دون ضوابط او قيود، الى قفص ضيق تكون قضبانه مصنوعة من ولاء محدد لجهة مهما بلغ نفوذها تظل محدودة للغاية، وفي لبنان حيث لم يخلق بعد من يقدم نفسه على انه للبنانيين جميعا فلم يخلق بعد كذلك وزير اعلام يمكن ان يرضي من يخاطبهم، ففي هذا البلد لا شيء موحداً حتى ابسط البديهيات.

وزير الاعلام في حالة من هذا النوع هو الحالة الأصعب في واقع الحكومات والكيانات وحتى المجتمعات، فالى جانب شبكة التعارضات والتناقضات الحادة داخليا، هنالك الامتدادات الأقوى والأكثر تأثيرا والقادمة من الخارج ، حتى حزب الله الذي يقال عنه انه الأقوى نفوذا في لبنان فما هو وزن نفوذه وتأثيره لو لم يكن مدعوما من ايران بفعل ولاء عقائدي عميق، ومتفقا مع النظام في سورية بفعل استثمار مشترك للجغرافيا وتناغم الأدوار والمصالح في معارك الوجود والنفوذ.

ولو ان صديقي جورج اختار الانغماس في الحالة السياسية قبل مونت كارلو والـ MBC، أي قبل النجومية الإعلامية لكان اصبح وزيرا ولكن كممثل للطائفة التي ينتمي اليها او لمن يرشحه للموقع، غير انه ومهما حاول لن يصيب نجاحا كالذي أصابه خارج الحالة الحكومية.

في زمن الاستقطابات الحادة والتي وصفت بالهويات القاتلة وأوضح مركز لها في زماننا هو لبنان، وقع الوزير جورج في بؤرة تقاطع نيران داخلية وخارجية، وها هو الان عنوان وموضوع وربما اسم حركي لازمة شاملة، ولا يخلو الامر من انقسام في الرأي حوله بين من يراه بطلا او كارثة وهذا ما كان يمكن تجنبه لو فضل معادلة من يربح المليون التي جلبت له ملايين المعجبين والمحبين على من يربح الوزارة التي كسرت فيه وحوله ما كسرت.

لو سألني حين كان توزيره مجرد رغبة او في سياق حسبة معينة، لقلت له عليك ان تختار بين الفضاء والقضبان وبين البحر والسمكة وبين من يربح المليون ويخسر الملايين والقرار أولا وأخيرا عائد اليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى