قراءة في ديوان ( فيضُ قلب ) للشاعر السوري فرحان الخطيب

رياض طبرة | ناقد وأديب سوري

( فيض قلب ) هو العنوان الذي اختاره الشاعر فرحان الخطيب لقصائده ، ولم يحتو الديوان على قصيدة تحوي هذا العنوان ، ولكني رأيت ان كل العنوان تعيش بأكنافه كل قصائد الديوان بشكل او بأخر ، وهذا يدلل على ان شاعرنا اختار عنوانه عن سابق فن ودراية ، فالشعر بوح يفيض به القلب والوجدان ، تعبيرا عن حالات وجدانية واجتماعية ، ذاتية وموضوعية ، يحيلها الشاعر الى قصائد تحت عنوانات اربعة ، مايفيض من الوجد ، مايفيض من الانتماء ، مايفيض من الومض ، مايفيض من الحزن.

وفي كل قصيدة تفيض قريحة فرحان الخطيب بلغة بليغة وسهلة شفيفة بآن ، تحفها الصورة الشارقة الزاهية البعيدة عن التكلف والغموض ، ففي فيض الوجد يقول :

           كَحَوْرةٍ والربيعُ  الطّلقُ  ورّقها

           ماكدتُ المَسُها ..فاسّاقط الورقُ 

            وزنبقَ  الليلُ   آهاتٍ  يطيّرُها

            خمرٌ  تشاهق من كرْمَين ينبثقُ

والشاعر يعلن انتماءه لوطنه بعديد من القصائد التي تحاكي الوجع العام ، وماحل بالوطن من مصائب وكوارث فينشده قائلاً :

            وطني ..تيبّست القصيدةُ  في  فمي

            وكبتْ ..  ولم   تسعفْ     قيامتَها    يدُ

            وتأوّهت     كلُّ     المدائن        أقفرتْ

             ممن      بها      إلّا      ذئابٌ       شُرَّدُ

وخلال تجوالنا في الديوان وجدنا الخطيب يخص الومضة الشعرية العامودية ، وبقصد ، بمساحة واسعة ، تبدأ الومضة بالبيتن ، واكبرها خمسة ابيات ، تعددت موضوعاتها ، وجدانية  واجتماعية ؛ يقول في احداها :

  أيها البحرُ ياصديقي كلانا       في  صراعٍ  يعيش فينا دوارُ

  لوحلمنا بأن يرقَّ   نسيمٌ        بعضَ   وقتٍ  يكذّبُ الاعصارُ

وفي ومضة ( انهمار ) يقول :

لي  أنْ  أهزَّ   قصائدي           حتّى  إذا   وقع     القمرْ

ايقنتُ     أنّ    غرامها           في  برْكةِ  القلبِ   انهمرْ

ولولده جلاء  ينشدهُ :

             يابهجةَ    العُمْرِ   يازهراً  على    فننٍ

             يعاركُ الرّيحَ ..رغم الرّيح ما انسفحا..

وهذه الومضات على الرغم من تنوع أغراضها الشعرية ، وكونها الطارىء الجميل في اعمال فرحان الخطيب الشعرية ومنهجيته في السعي الدؤوب لامتاعنا بالقصيدة العامودية بكل تجلياتها ، وهذه الومضات تستحق وقفة نقدية متأنية تعطيها حقّها ، وما تستحقه من أضواء ، حيث اراد  لها ان تكون حاضرة في اختصار الزمن ومستوفية لشروط حضورها ، وجامعة للأصالة والمعاصرة بآن ، يقول في ومضة  ( القصيدة ) حيث يقول :

قيلَ ماتتْ قصيدةٌ  ذاتُ بحرٍ     قلتُ عاشتْ   قصائدٌ وبحورُ

فهي أمٌّ ..وكلُّ  تالٍ    وليدٌ     واخضرارٌ قد برعمته الجذورُ

وفي ما يفيضُ من الحزن ، يظهر الخطيب عاطفة مشوبة بالحزن الجميل ، حيث يرى في الموت حياة اخرى يتركها الفقيد وخاصة اذا كانت حافلة بالمناقب  الحميدة كما في رثائه للشاعر ( نعمة العاقل ) :

ولأنتَ  كالشّجرِ العتيقِ وكلّما    هزَّتهُ  أخيلةُ   الفصاحة يزهرُ

هرعتْ لقبركَ الف قافيةٍ همتْ   وحنتْ كغيماتٍ تسحُّ وتمطرُ

وحينما يرثي أخاه أبا فيصل نرى دمعه قد سبق قوافيه وهو يسطر شمائل الفقيد بشجن وارف ودمع هتون : يقول :

والمساءاتُ بعضها قد يخونُ     حينَ تُنبيكَ  بالمصاب المنونُ

 دمعتي مثلُ غيمةٍ    كبّلتْها    أذرع  الريح  حاصرتها  الجفونُ

والشاعر فرحان الخطيب  في ديوانه الثامن ( فيض قلب ) نجده شاعرا صادق العاطفة ، مثلما هو شاعر ثرٌّ بالمفردات والتراكيب ، ومجدٌّ  في التقاط الصور او حتى في استحضارها من  أمّهات  الكتب على نحو بليغ لما يضفيه عليها من بلاغة حداثية ، مهما تبدّت بثوبها البدوي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى