في الذكرى.. يزهر الغياب

شعر: وفاء داري | فـ.ـ.ـلسـ.ــ،طين
(١)
منذ التاسع من تَشرين
والزمن يَعُدُّ أنفاسَه بالجرح
بالشمعة التي تَأبى أن تنطفئ
حتى في محاولات التجاوز
تتلوّى الذِّكرَى بين أصابع الليل
وتُسائل المعنى في شقوقه..
على مرأى السنين
(٢)
في ذِّكرى الغياب
أعود إلى اليوم الأول..
للجُرحِ الغائرِ
كأن الأرضَ مسرحٌ لليقين
وقتٌ ينزف على جبين الحضور
طيفٌ مثقلٌ بالياسمين
يتسيد القصيدةَ ويتوسد السطور
(٣)
منذ رحيلِك كلَّ عام
يزهر غيابُك في دفتر النهار
تنهض ملامحُك..
رايةً تُستعاد بعد معركة
كمن يلمس وطنًا محفورًا
على جدران الصمود
(٤)
كنا روحًا تتماهَى في جسدين
بل أكثر:
كنا وطنًا صغيرًا
يتسع لحلمٍ لم يولد بعد
وكانَ قلبُكَ يكتبني،
بكل حروف اليقين
(٥)
رحلت.. نَزَعتَ نصفي،
وتركتني نصفًا يمشي،
لكن صوتَك لم يرحل:
يستوطن ملامحَك ابنٌ يشبهك
ويضيء في بسمة زهرة
تحمل عِطري ودفأَك معًا
كلما نادَتْني.. أعرِف أنّكَ هنا
بمقامٍ آخَرَ، عبقٍ برائحة الياسمين
(٦)
تسعةَ عشرَ عامًا
وأنا أرمّم المعنى بعدَك،
أرتّب نهاراتِ السنين
كي تبدو ممكنةً في غيابك
أروِي عطشَ الشوق
أُقلم أغصانَ الألم
ليُزهر الوطن من ذكرى شهيد
(٧)
كل عام أُشعِلُ شمعةً واحدة
لا أطفئها.. أترُكُها تحترق
كي تصيرَ حضورَك،
ظلًّا يزهو
في الضوء والظلام معًا
نارٌ في الجوف تتلظى، تقول:
هل من مزيد؟
(٨)
القلب يقرع أبواب الحياة
حاولت أن أشعلَ أخرى
اعترفت: فشلت
فأنتَ حالة لا تتكرر
وحدَك الغياب الصامت
يتغذى على الحنين
(٩)
الآن…
الثمار في عمر الورد
خطواتهم أوراق على شجرة الزمن
لا يسألون عن الغياب
لأنكَ سيرةً لا تُنسى،
ذِكرَى تُعلِّمُنا أن الحب والشهادة
صوت واحدٌ، في الأبد مُقيم.




