ــ جدلية ( الوعي / التجهيل ) ــ قراءة سيميائية في نص “ديوك ملعونة” للشاعر المصري “احمد نصر الله

الاديب والناقد باسم عبد الكريم العراقي/العراق

لم تكن النار
وإنما خمسة ديوك أو أكثر
بلون الزيتون
بنكهة الطين
أشعلوا الصباح
مزقوا أوصال الليل
وتركوا المآذن تلتهم لسان
الديوك بطبيعتها
لاتحب الهواء المعلّب
لذلك تملّ من الثرثرة
تحت قبة (كان)
أو في باحة (ليت)
خمسة منها
لم يتركوا للأفعى فحيحا
لالتهام الوقت
ولا لجارتها العرجاء
من وراء السرّ
كانوا يطحنون الرّيح
ويغرون الموج بالحلوى
كل ديوك الحيّ
لديهم نفس الضوء
لكن كل واحد منهم
يضعه في المكان
الذي يناسب ظلمته
الديوك موج له أنياب
قراصنة الوقت
يعرفون هذا
لذلك يصادرون
كل (صباح) يخرج من فمه ريش
يذبحون كل (حنجرة )
يطل من شرفتها ظل لديكٍ
يحرقون رحم كل امرأة
غنى لأحمر شفاهها ديكٌ
هي ملعونة في كتبنا
أصغر سنبلة تعلم لو أنّ ديكا ما
اقترب من عطرها
لن تنجو من نفخة الكير
حتى الجبل
لم يعد يستريح
لأيّ سحابة تحمل في أحشائها
أحلام الديوك
كن رصيفا أو مقعدا
أو حمّالة صدر
لكن حاذر أن ينبت لعقلك
لسانُ ديك
………
القراءة :
——–
ثيمة النص جدلية تدور حول الصراع بين دعاة صحوة الوعي / ارباب التجهيل
لجأ الكاتب الى تقنية الازاحة الدلالية للاشارة الى قطبي ذلك الصراع وكما يلي :
تفكيك القطب الاول / الديك :
الديك اشارة ذات سياق مقامي تحيل الى خارج النص / السياق الميثولوجي الاجتماعي ـ الديني ، وفيه تعني : طائر يزقو( الزقاء هو صوته ) كلما طلع الفجر ، وارتبط زقاؤه دينياً بالاستيقاظ لاداء صلاة الفجر ( ومنه الحديث النبوي ” لاتسبوا الديك لأنه يوقظ للصلاة ”
المقاربة الدلالية لهذه الاشارة ( الديك) : الدعوة للصحوة من الغفوة
بتكثيف هذه المقاربة : صحوة الوعي من سباته
المسوغات النصية لهذه المقاربة الدلالية الاخيرة :
تلك الديوك (أشعلوا الصباح) / اضاؤا الصباح ، والصباح مكافئ دلالي للصحو ، والصحو يعني استيقاظ عناصر الادراك ( الحواس ) ــــ الدلالة : ايقظوا الوعي
( مزقوا أوصال الليل ) / بددوا الليل وهو مكافئ السبات ، توقف الادراك
ــــ الدلالة : بددوا اسباب غياب الوعي
(وتركوا المآذن تلتهم لسان الغراب) / المآذن بدلالة التهامها لسان الغراب (رمز الشوم والخراب ) = مؤسسة متسلطة باسم المقدس تغيّب الوعي وتحل محله
ـــــ الدلالة : كشفوا حقية زيف المؤسسة المغييبة للوعي باسم المقدس

بتجميع الدلالات المتولدة من التفكيك اعلاه : الديوك دعاة صحوة الوعي / تحرره من سباته
وهم دعاة مسالون (بلون الزيتون) ،اصلاء ( بنكهة الطين ) / تربة الوطن
وهم يحبون هواء الحرية ( لاتحب الهواء المعلّب / المعلب : السجين)
ويرفضون اجترار ما كان عليه ال سلف في الماضي { لذلك تملّ من الثرثرة تحت قبة ( كان ) } وكما يكشف ماسكتت عنه (كان ) كما يلي :
كان فعل ماضٍ زمانياً ، وهو فعل ناقص دلالياً ، اي انه يحتاج بعده لما يجعل له معنى متكاملاً وهما ( اسمه وخبره ) ، لذا تكون المقاربة الاقرب لدلالة المسكوت عنها / ماكان عليه السلف الصالح ، فقد انقضىاوانهم وصاروا محض اضرحة ( بدلالة / قبة )
كما انهم لايؤمنون بالتمنيات البعيدة عن التحقق وهو ماتفيده / ليت ( أو في باحة (ليت)
ورفضهم الارتهان بالماضي وتلك التمنيات يستحضر ضديدهما وهما الانتماء للواقع في زمنه الحاضر ( اي ان تحل / يكون بدل / كان) ، و السعي لتحقيق ماينشدونه بالافعال فتحل / اريد ، بدل / ليت ، وبالاحالة الداخلية على ( قراصنة الوقت / سراق الزمن / الحياة ) وصفاتهم الفعلية المذكورة بعدهم ) ، تكون دلالة رفض ( كان وليت ) هي تغيير الواقع بتخليصه من اسباب الخوف والترويع ( لم يتركوا للأفعى فحيحا / ولا لجارتها العرجاء )،
اللذين يخطفان الحياة (لالتهام الوقت ) وهذا التغيير بهذا المسعى يعني انه
الثورة على اولئك القراصنة ، ثورة تبدأ شرارتها بحي من الاحياء ( كل ديوك الحيّ ) ، حي فقير حيث يواسون جياعه ويصبروهم ( كانوا يطحنون الرّيح) ، ويؤملونهم بالفرح القادم ( ويغرون الموج بالحلوى) ، ديوك يحملون ذات الهدف التنويري الصحووي ( لديهم نفس الضوء) ، لكن لكل منهم فعله الذي يناسب ميدانه ( يضعه في المكان الذي
يناسب ظلمته )
ديوك امتلكت اسباب القوة ( الديوك موج له أنياب ) كوسيلة حماية / تصدي
لتحقيق الغاية المنشودة ، فالثورة = وعي حر + قوة ،
والاشرة /القراصنة ، تمثل قطب الصراع الثاني ، وقد ابدع الكاتب بوصفهم بصفات فعلية ( صفات ذات جملة فعلية ) للتدليل على ديمومة اثرهم الان ومستقبلاً ، مما يستدعي ادامة الفعل الثوري كمقابل موضوعي له في جدلية ( الحق ومرادفاته / الباطل ومرادفاته ) المتجددة في الوجود مادامت الحياة ، وهذه الصفات :
( لذلك يصادرون
كل (صباح)
يخرج من فمه ريش
يذبحون كل (حنجرة )
يطل من شرفتها ظل لديكٍ
يحرقون رحم كل امرأة
غنى لأحمر شفاهها ديكٌ )
فالاشارات :
يصادرون + يذبحون + يحرقون = افعال سلطوية لارادع لها
بدلالة انها تتحكم في تفاصيل الحياة وترفض نقيضها ( الديوك ) وتحاربهم
فهي :
تلعنهم ( ديوك ملعونة ) ، وتُثقف للعنتهم (هي ملعونة في كتبنا)

وتحظر اللقاء بهم وتعاقب المخالف باقسى العقوبات وان كان مما لايعقل:
كما في (أصغر سنبلة تعلم لو أنّ ديكا ما
اقترب من عطرها
لن تنجو من نفخة الكير)ا
و في :
(حتى الجبل
لم يعد يستريح
لأيّ سحابة تحمل في أحشائها
أحلام الديوك)
ويبلغ رعبهم من ايقاظ الديكة لوعي الناس ، ان يحذروهم اعمال عقولهم فيما تذهب اليه ( اعني اليكة ) :
( كن رصيفا أو مقعدا
أو حمّالة صدر
لكن حاذر أن ينبت لعقلك
لسانُ ديك)
نهاية النص تضمر عجز السلطة القمعية الوضعية و الدينية المزيفة ( باستدعاء المآذن ) مهما مارست من شنيع تنكيل تقتيل عن منع فعل الصحوة من ايقاظ العقول وانارة ظلمات العقول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى