رسائلي إلى مارغريت 17

صالح علي-شاعر وكاتب سوري

.

طاب مساؤك يا مارغريت، امّا بعد
قال الشاعر:
ومن تعرّض للغربان يزجرها
على سلامته لابدَّ مشؤومُ!
لعلّك تتساءلينَ ما مناسبة هذا البيت؟! وإليك القصّة بتمامها:
كنتُ بالأمس ضيفًا عند أقارب وأصحاب لي بل هم أهلٌ والله!
وقد ذهبت إلى هنالك بدرّاجة ناريّة(موتور) غير تلك التي ذكرتها في قصيدتي العينيّة الشهيرة، فقد كان الموتور ضعيفَ القوى خائر العزم جبان الفؤاد، أنهكه التعب وكسّره الإعياء، وهدّه الجري، وكان عليَّ أن أعود إلى بيروت باكرًا، لأكون هناك قبل موعد العمل، فإنّي أحبّ البكور في كلّ شيء! وكنت أخشى أن تتعطل الراحلة فتسّود صفحة نهاري كلّه، وهذا ما فعلت، استيقظت قبل الشحادة وبنتها ولبست ثيابي ثم امتطيت صهوة راحتلي ومضيت وكان هواء الصبح باردًا لطيفًا، يبعث على الراحة والهدوء وبينا أسير في أمان الله برويًّة وتطلّف لا بعنجهيّة وتصلّف إذ اعترضني كلبان من أبناء الشوارع، فقلت في نفسي سأمازحهما فكسرت على الكلب الأشهب ممازحًا لأخيفه، فانتفضَ كأنّه ليث العرّيسة قد رمق الفريسة، فاتبعاني بجريٍ يطوي المهامه ويقطع الفلوات ولسوء حظّي أنَّ طريقي كان نحو مرتفعٍ من الأرض، وراحلتي في السهل لا تقوى على الجري فكيف بهذا، وحالي كقول القائل:
ووجدتُ ريح الموت بين جوانحي
وتنكّــــــــرت ليَ أوجهٌ وبــــــــلادُ!
ثمّ تمالكت نفسي وتذكّرت قول بعض شيوخنا في القرية من أنّ الكلب إذا وقفت له كفّ عنك وهرب، فما إن هدّأت من روع راحلتي لاقف لهما، وجدتهما يزدادن وثبة فقلت لنفسي
هذه -وأبيكَ- الهلكة، وأنا راكبٌ وهما راجلان وإن فساد الرأي أن اتأخرا، فوضعت يدي على مسكة البنزين وجذبتها للآخر
وكدتُ ” أطيرُ لو انّ إنسانُ يطيرُ! ” والحمد لله أنّهما أيسا منّي وقفلا خائبين! ووصلت إلى عملي بخيرٍ والحمد لله على كلّ حال، وما هذا الذي حدث لي اليوم إلا من دعواتك التي أسمعتني عقب قراءتك رسالتي الماضية، وعلى هذا صدق قول صاحبنا:
ومن تعرّض للغربان يزجرها
على سلامته لابدَّ مشؤومُ!
ولكنّي لم أتعرض للغربان وإنّما لما هو أشدُّ وأنكى
والسلام

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى