الضمائر في القرآن (سبب إلى السماء)

أ.د. عنتر صلحي عبد اللاه | مصر – أستاذ اللغويات التطبيقية – جامعة جنوب الوادي

الآية الثالثة التي نتناولها اليوم هي قوله تعالى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ. (الحج: 15)

وكما تلاحظ أن بالآية عددا من الإحالات، والضمائر الظاهرة والمستترة.

  1. من : بمعنى الذي وهي هنا كذلك من أدوات الشرط، لذا نتوقع أن يأتي جواب الشرط به إشارة (إحالة) إلى هذه الأداة. مثل قولنا: من يذاكر، ينجح. ففاعل (ينجح) ضمير مستتر يعود على (من).
  2. ينصره : بها (الهاء) والقراءة الأولية تشير إلى (من) .
  3. فليمدد : الفاعل مستتر يشير إلى (من).
  4. ليقطع، فلينظر: فاعلهما هو نفس فاعل (فليمدد).
  5. كيده: الهاء تشير إلى فاعل الأفعال السابقة.

أقول إن هذا التحليل الأولي هو تحليل لغوي دون الرجوع إلى التفاسير، وهو تحليل يفتقر لترابط المعنى: لأن المعنى المباشر لا يستقيم: من ظن أن الله لا ينصره فإن له غيظا وعليه أن يرى إن كان مد سبب إلى السماء سيزيل هذا الغيظ أم لا!!!.  كما أننا لا نفهم معنى (مد سبب إلى السماء) وماذا (يقطع) بالضبط؟

لذا لا مفر من الرجوع للتفاسير لتحقيق الفهم. فإذا رجعنا للتفاسير، وجدنا أن تحليلنا الأولي به خلل كبير. ووجدنا وجهين لمعنى الآية: الأول هو: من كان يظن ان الله لن ينصر (عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم) في الدنيا والآخرة، فليأت (هذا المنكر) بحبل (سبب) ويربطه (يمدد) في سقف داره (السماء) ثم يتعلق به و(يقطع) أي يزهق روحه (المنكر) لعل فعل ذلك (إزهاق روحه) يذهب بما يعتمل من كيده ومن غيظه.  والمراد ان نصر الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم متحقق على اليقين ولن يمنع ذلك شيء، إن كان المنكر لذلك مغتاظا فليمن بغيظه.

الوجه الثاني: أن المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، والحال أن النصر يأتيه صلى الله عليه وسلم من السماء، فليمدد بسبب إلى السماء فيرتقي بذلك السبب، حتى يصعد إلى السماء فيقطع نزول الوحي من السماء، فيمنع النصر عنه صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أنه وإن غاظه نصر الله لنبيه، فليس له حيلة، ولا قدرة على منع النصر، لأنه لا يستطيع الارتقاء إلى السماء ومنع نزول النصر منها عليه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا القول: فصيغة الأمر في قوله: فليمدد، وقوله: ثم ليقطع ـ للتعجيز فلينظر ذلك الحاسد العاجز عن قطع النصر عنه صلى الله عليه وسلم: هل يذهب كيده إذا بلغ غاية جهده في كيد النبي صلى الله عليه وسلم، ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا المعنى الثاني، تبقى السماء بمعناها المعروف، لكن (القطع) هنا يعني قطع المدد والنصر.. وهو معنى جديد.

المعنى الآن صارت له أبعادا جديدة، فالسماء ليست مجرد السماء المعروفة، والسبب ليس ما يتبادر للأذهان، والقطع مختلف عما كنا نظن، والتعبير كله للتعجيز.

أمام المترجم الآن أكثر من مشكلة: الأولى في الإحالات الموجودة والضمائر الظاهرة والمستترة، والثانية في المعاني المختلفة للسماء والسبب والقطع، والثالثة في توصيل الغرض من هذا الأسلوب التعجيزي عموما.

فلننظر ما فعل المترجمون:

Sahih International: Whoever should think that Allah will not support [Prophet Muhammad] in this world and the Hereafter – let him extend a rope to the ceiling, then cut off [his breath], and let him see: will his effort remove that which enrages [him]?

Pickthall: Whoso is wont to think (through envy) that Allah will not give him (Muhammad) victory in the world and the Hereafter (and is enraged at the thought of his victory), let him stretch a rope up to the roof (of his dwelling), and let him hang himself. Then let him see whether his strategy dispelleth that whereat he rageth!.

Yusuf Ali: If any think that Allah will not help him (His Messenger) in this world and the Hereafter, let him stretch out a rope to the ceiling and cut (himself) off: then let him see whether his plan will remove that which enrages (him)!

Muhammad Sarwar: Those who thought that God would never grant victory to (Muhammad), in this world nor in the life hereafter (and now that he is victorious) should hang themselves by the necks from the ceiling, then cut the rope and see if this can do away with what has enraged them.

Mohsin Khan: Whoever thinks that Allah will not help him (Muhammad SAW) in this world and in the Hereafter, let him stretch out a rope to the ceiling and let him strangle himself. Then let him see whether his plan will remove that whereat he rages!

اختار هؤلاء المترجمون الخمسة توضيح عائد الضمير في (ينصره) بالوضع بين القوسين اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو صفته. كما اختاروا معنى السبب rope ومعنى السماء ceiling

ومعنى القطع cut off, hang himself, hang by the neck, strangle himself  وكلها بمعنى إزهاق الروح.

Shakir: Whoever thinks that Allah will not assist him in this life and the hereafter, let him stretch a rope to the ceiling, then let him cut (it) off, then let him see if his struggle will take away that at which he is enraged.

Arberry: Whosoever thinks God will not help him in the present world and the world to come; let him stretch up a rope to heaven, then let him sever it, and behold whether his guile does away with what enrages him.

The Study Quran: Whosoever thinks that God will not help him in this world and the Hereafter, let him stretch out a rope to Heaven. Then let him sever it and see if his scheming removes that which enrages.

Ghali: Whoever has (ever) surmised that Allah will never give him victory in the present (life) and the Hereafter, then let him extend forth a means to the heaven, thereafter let him cut it off. Then let him
look (for himself): does his plotting definitely put away what enrages him?

عند شكير وأربري لم يظهر المراد بالإحالة في (ينصره) وبالتالي صار المعنى ملتبسا لأن ما يتبادر للذهن هو العود على (من) whoever. لكن المشكلة تزيد عندما اختار شكير أن تكون السماء هي  ceiling لكن القطع ليس إزهاق الروح، وإنما قطع الحبل  cut it . أما أربري فقد خالف الجميع في معنى السماء و كتبه  heaven  واختار للقطع sever وهي لا تعني القطع مطلقا ولكن (التفريق والخلع) وليس في ذلك كله أي دلالة على إزهاق النفس.

 وشبيه بترجمة أربري أتت ترجمة سيد حسين نصر في The Study Quran

وأما الدكتور محمد غالي فقد أخفى المراد من الهاء في (ينصره) وجعل الضمير عاما him ، لكنه – كذلك- جعل السماء heaven ، وجعل السبب أداة من الأدوات  means  وجعل القطع للأداة  cut it off  ولو كان أضاف بين القوسين (victory) لكان المعنى قطع النصر، ولكان موافقا للوجه التفسيري الثاني، لكنه لم يفعل رغم أنه يعمد إلى الأقواس التفسيرية أحيانا.

Soliman: Whoever has been thinking that Allah will not support him in the Earlier (Life) and the Hereafter—let him extend a means to the sky, then cut (it) off, and see whether his plotting eliminates what enrages (him).

Abdul Haleem: Anyone who thinks that God will not support him in this world and the next should stretch a rope up to the sky, climb all the way up it, a and see whether this strategy removes the cause of his anger.

وأما ترجمة جسور لفاضل سليمان فقد اتفقت مع ترجمة محمد عبد الحليم في شيئين: الأول عدم ذكر المقصود بالضمير  في him وإن كان كليهما ينصان في الحاشية على أن المقصود النبي صلى الله عليه وسلم. الأمر الثاني هو ترجمة السماء ب sky  فلا هي سقف البيت ولا هي سماء الوحي والنصر، ثم اختلفت ترجمة جسور في تعميم السبب means، وأضاف عبد الحليم أفعالا تفسيرية لفعل (يمدد) بذكره للعملية التفصيلية stretch a rope + climb all the way up it وأسقط من الترجمة فعل (القطع) ، أو ربما فسر القطع بالصعود – وهو غريب لأن المعنى الأصلي إزهاق الروح أو محاولة إيقاف النصر- وليس مجرد العروج في السماء والنظر.

***

بقي أن أنبه أنني في هذه الخواطر لا أحكم على ترجمة بأنها أفضل من غيرها، ولكني أصف وأحلل منطلقات المترجمين في التعامل مع إشكالات الترجمة الدينية، بما يشير إلى ضرورة المراجعات المتكررة للترجمات المتاحة ودراستها ونقدها خدمة لكتاب الله وإبلاغا لرسالة رسوله صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى