15 دقيقة.. قصة قصيرة

هدى أحمد حجاجي | مصر

ليلى عند حافة الشاطئ
لم أزل أخطو على الرمال المبتلة بعرق أقدامنا، بالأمس القريب عائدة من فوق ربوة يأسي بعد الغروب، والبحر منسجا عند قدمي مسافرا نحو الشمال، والصيادون يرمون البصر خلف شباكهم للعمق حيث الرزق الوفير على أمل أن..هدير البحر يأخذني..أقاوم وأفسح بصدري مكانا باتساع الشمال لهواء آخر متجدد، وربوتي الملساء عند حافة الشاطئ تأبى وتستعلى. لم يتوقف هطول المطرمع اقتراب سحب كثيفة غطت وجه الشمس، اكتست الأرض بظلال داكنة، قالت أمي بصوت منخفض “جاء الشتاء قارسا هذا العام ” كان المطر يزداد هطولا بالخارج ونافذتي الوحيدة المطلة على الشارع تستقبل كرات الثلج المندفعة في استسلام تام.الريح تزمجر وتضرب بقوة ضلفتي الزجاج فيصطفقان وأسمع صوت اصطفاقهما وأغلق قلبي على ذكري الأيام البعيدة الضائعة في طيات النسيان، وأنكمش بين دموعي على الفراش.. أحتضن الوسادة إلى أسفل علني أوقف ذلك الشيء الآخذ في الاستدارة. وما أشبه حالي ذلك الحين بحال إبراهيم الكاتب في روايته الشهيرة وهو واقفا إلى نافذة غرفته يطل على الحديقة التي مربك الكلام عليها.. أو على الأصح يحدق في الظلام الدامس والسكون الرهيب وما أشبه اليوم بالبارحة، وحديث دار بينه وبين شوشو بطلة روايته وما بيني وبين خطيبي المهاجر، السكون الرهيب اللذين لفت فيهما الكون حين دخلت عليه شوشو ودنت منه ووقفت تتأمله وهو لاه عنها بما يرسمه له خياله النشيط، وكان البرد قارصا والليل صامتا لا حركة فيه ولا حس كأنما استحال كل شيء في السماء والأرض صورة مرسومة، وقد خيل إلى إبراهيم وهو يرمي السواد بعينيه كأن هاوية من الخرس قد ابتلعت كل صوت ونامه، وأنه لو أرسل في ظلمتها صيحة لما ارتد منها إلى الأذن رجع ولا كان لها صدى، وأنه لم ألقى بحجر لما سمع له وقعا ولا بلغ الحجر قاع الهاوية، وبدا له كأن الأرض قد ضرب عليها السحر شيطان وألزمها حالة غير إنسانية يعيي الإنسان نعتها، أو كأنها في غيبوبة أفقدتها وعيها أو كأنما هو ينظر إلى الدنيا الذاهلة عنه من خلفها ويتأملها وهي مدبرة عنه، أو يسترق السمع من وراء أستار الكون.. قال سأعود .. سأسافر الآن أشتري أحلامنا وأعود. قلتها لا أدري كيف سأنتظر عودتك في كل شروق. ابتسم وعيناه تلمعان ربما آتيك ساعة الغروب.بإصرار قلتها سأدير عيني حيث نجمك يولي أعدك ألا نفترق.. أعطاني ظهره، ارتفعت يداه تلوحان بالوداع. وجف قلبي لما صعد سلم الطائرة المشرعة أجنحتها تأهبا للرحيل ثم غاب في الأفق … مرت الأيام …وانشغلت عن رؤية الشارع العائم في المياه بفرك أصابعها المرتعشة فوق ألسنة اللهب المنبعثة من المدفئة على سطح الزجاج، ارتفع إيقاع حبات الثلج وانفجر صوت الرعد مدويا. بين أواني الطهي المتناثرة هنا وهناك تجلس أمي ساعات النهار على خشبة صغيرة على الأرض العارية بجوار أريكة مسوسة الجوانب، ترتق ببقايا نظرها الواهن ملابسنا البالية وتتأملني طويلا وعلى لسانها كلمات مبعثرة لكنها لا تتكلم، وألقت في صمت عينيها تلك النظرة الحانية الحبلى بالقلق مشوبة بشفقة موجعة للقلب المنشور على حبال الانتظار.. من طرف عيني رحت أتابع خيوط المطر الساقطة في شكل أعمدة مائلة.. في ألم قلت … ستظلم قبل حلول المساء.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ان ليلى عى حافة الشاطئ للاديبة هدى حجاجى فى انتظار الخاطب فانها تجسد كل ادوات الكن عند الشاطئ من غضب للطبيعة فى حجب الشمس وزمجرة الريح حتى صخرتها تأبت كما تأبى الكائن الذى لا تستطيع وسادة منعه من النمو ووصولة قبل ابيه حتى انها تقوم باختيار كل عباراتها بعناية فائقة لتكثيف الحدث الجلل فى عبارات الام جميعها خاصة برتق الملابس البالية ببقايا بصرها وجمال نظرة الام وروعة كلامها كل ذلك فان اللاحداث جميعها مكثفة لخدمة نمو الكائن وغياب الخاطب
    مااروع سرد حجاجى فى قصها….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى