بيروت أنا بيروت ما زالت حية

اسماعيل عبد الهادي | لبنان 

لم يبقَ شيء فيّ أدّكره

سوى أنا..
و ح ر و ف ي
سوى ذاتي ..
وإسمي
مسربلة بأنيني
بوجيعي
وبعض بقايا ظلّت
لمرآة معلّقة
وفيها ..
أو عليها دم
وغبار
ودخان …
وبعض ما أراه ..
وصوت صراخ
وإيه وآه
سوى شارع هنا كان
و آخر مثله هناك
تبعثر بالركام
وبالموت وبالحزن
تدثّر واندمل
لا أسماء تظهر
لتقرأ
ولا سهام عليهما بقيت
ليستدلّ ذاك بمعلم
أو بشيء لهذا ..
فيذكر
غدوا معبّدان بالأشلاء
بالأنصاف
بالأرباع
بالأحياء ..
بالأموات
بالألعاب
بالأحجار
بالأحلام
بأوراق المدارس
بأقلام الرصاص
وبثوب مدرسة لطفلة
مثلي مهتّك
ممزّع
ممزق
ملطّخ
علاه الدم
على الجدار
معلّق
ومثله آلاف
ومحفظة دفاتر
نصفها بقي
ونصفها مثلي تمزّق
وممحاة كانت تسمى
بأمسنا مم حاة
وكتاب تناثرت صفحاته
ومبراة
ومسطرة
ودفتر
وساق
وأنف
وإصبع
وأثداء يلتقمنها صغارا
كانوا عطاشى
لم يبق فيها حليبا
ولا ماء حتى
ليشرب
لم يبق
سوى نتفا من جثث
لبقية هنا
ومزعا
بقاياها هناك
سوى دماء
لم تزل تجري
بلون زنبقات حمراوات خجلى
سوى فناجين قهوة ملقاة
على الشرفات
وأحاديث غابت
وسواليف كانت
ورائحة البن المعتّقة
ما زالت تلهو في مطابخ
لم يبق منها سوى الأسماء
لاثها البارود
وغيّبها الدخان
فما عدت تميز بين دخان دخيل
أو ظلام ..
أجاء
لم يبق سوى قفص تخلّع
وعصفور طار
لرب رحل
ورب تفتّت كالحجار
أو تكسّر كالزجاج
ورب مات
كبقية الأموات
لم يبق في بيروت فيَّ
سوى زجاج تهشّم
تحطّم
تناثر ليمعن
ليقتل
وعلائم دمار لزلزال
وبقايا خراب
لبركان
لم يبق هناك
سوى بقية لسرير
وفرشة هنا ..
بلا أحشاء
سوى آمال
سوى أحلام
سوى ذكرى
سوى أخشب من خزانة
ومفتاح ضاع
سوى بضع حجارة بقيت
ومئين كوّة تنخر
في الجدار
سوى ماء
على السطح سال
لم يبق من بيروت
سوى صورة الأمس
وفيها من غابوا
ومن رحلوا
و زعيق ..
تارة يخبو
وتارة يعلو
وصوت نداء
ولهاث
بين الحين ينبعث
وفي الآخر
إخاله يسمع
ويقترب
ومن تحت الركام
صياح
وآه
ترى يلهج
ينادي بصوته الباكي
وفيه ألف حشرجة
وألف لعثمة
أنا بيروت
ما متّ
فلملمني بكلّي
يا أُخيَّ
ولملم حروفي
يا صديقي
يا رفيقي
لملم شتاتي
لملم ثيابي
وأوراقي
وكلّ أشيائي
لملم حجاري
لملم زعيقي
ولملم فناجين قهوتنا
وزيتوننا الأخضر
لملم صياحي
لملم وجيعي
لملمني يا ابن عمي
أنا مرهقة
أنا متعبة
فلا تترني لوحدي
أموت
فأنا لم أمت بعد
رغم الجراح المثخنة
أنا لم أمت
رغم الدمار
وماخلّفه
أنا لم أمت
فما زلت حية
أنا بيروت
بــعـد .. بــعـد
ما زلت حية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى