مرآة الوجع

د. نجاة الجشعمي | العراق
من تحت الحطام
قرأتُ رسالتها…
وكأنني أستعيد مشهدي المنسي في ذاكرة أحدٍ لا يتذكّرني
كأن الكلمات التي كتبتها صديقتي
كانت مسوّدةً من دفتري المهمل في قاع الدرج
دمعتي انسلت من عيني اليسرى ببطء،
كأنها اعتذرت في طريقها، وقالت: “اعذريني،
حاولت أن أتماسك،
لكنهم كسروني”
راقبتها وهي تمشي على خدي كأنها تعرف الطريق
سلكته كثيرًا،
ربما
أكثر مما يليق بعينٍ واحدة
سألتُ نفسي؟؟
سؤالًا لم أجرؤ على مواجهته من قبل:
هل أنا خطأ عاطفي؟
هل طهري الزائد جعلني أبدو متخلّفة الشعور،
بينما الحقيقة أنني خلقت
من مزيجٍ نادر
الرحمة، والولاء،
ونَفَسٍ لا يكذب
عندما مرض أبي،
أصبحتُ وحدة الطوارئ:
أهاتف، أرتجف، أُنفق مما لا أملك،
أستنزف أملًا من جسدٍ لم يبقَ فيه شيء
وأبكي
نعم،
كنت أبكي بحرقة
لا يسمعها أحد،
ثم أُسكت نفسي كيلا
أبدو “درامية” كما يسمونني
وعندما عاد…
عاد بهم، لهم، إليهم،
أما أنا… فلم يصلني حتى نبض شكر
لم يرد على رسالةٍ، لم يُشِر إليّ أمامهم،
كأني لم أكن شيئًا في رحلة شفائه الطويلة
وحين قيل لي:
“له مالٌ ادّخره لكِ، إن جار عليكِ الزمان”
صدّقت، لأن قلبي أحمق حين يتعلق بأبي
وحين عاد المال…
عُدل اتجاهه، وذهب إلى غيري
وقالوا إنهم سيشترون ذهبًا لها—الصغرى
ثم أُعطيت فوقه مئة ورقة من مئة دولار
أما أنا…
فحُصِرتُ في عيونهم
كجدار طَمَع
قالوا لي: “تبكين لأنكِ صاحبة مصلحة”
كأنّ دموعي تُسعّر بالعملة،
وكأنّ حرقتي كانت ادّعاءً لورقة، لا نداءً للعائلة
أين كنتم حين انهرت وأنا أكتب اسم أبي في روحي؟
من سهر معي حين كان صوته يختفي خلف أجهزة الهواتف؟
من سمع صوتي وأنا أُكمل المكالمة ثم أختبئ بين كفي لأبكي؟
ثم تقولون لي: “، لا تتصلي، لاتقولي شيء”
لم أطلب، بل أنا التي عُرض عليّ، ثم سُحِب، وسُفّه، وسُرق
اليوم، أتوقّف
لا عن الحُب… بل عن الانزلاق فيه إلى حد الوجع
لا عن العطاء… بل عن تقديمه لمن يكسر الصحن بعد أن يأكل
أنا هي التي ،
كانت تسهر للجميع
سأنام اليوم لنفسي
أنا التي كانت تبكي بصمت
سأصرخ اليوم بالقصيدة
أنا التي انتظرت “شكرًا”
سأمنحها لنفسي
وأعفو عنكم… لا لأنكم تستحقون
بل لأنني أستحق أن أتحرر منكم دون شوائب في صدري