مقال

تماثيل اللعنات فى مصر القديمة كنموذج للنحت الشعبي

الفنانة التشكيلية سماء يحيى  | القاهرة 

النحت الشعبي هو تشكيل مجسمات فنية ترتبط بالإنسان فى بقعة معينة من العالم يستخدم فيها خامات بيئته المحيطة سواء كانت حجر، او خشب، او بوص، طين وغيرها من المواد للتعبير عن تقاليده الثقافية وعلاقته بمحيطه الاجتماعي والكوني معتمدا على ما طوره من ذائقة جمالية وممارسات روحية ومعرفية وفكرية ليتأقلم مع مجاله الحيوي وليتعايش عن الظروف الطبيعية والكونية التي لا تخضع لإرادته بشكل بسيط وبه جزء من الخصوصية لكل مجتمع محلي.
تماثيل اللعنات المصرية أجداد الأعمال السلفية هي مجسمات من الطين غير المحروق أحيانا من الشمع أو البرونز المصبوب للأعداء وكان يكتب عليها باللغة الهيراطيقية تعاويذ وشرور توجه نحو الاعداء تكسر وتلطخ أحيانا بالقاذورات والنجاسة او تغمس في البول ثم تدفن في مناطق المقابر والخرائب المحيطة بها.
قد يجادل البعض بأنها ليست شعبية لأنها تتطلب طقوسا معينة خاصة باللعن ولها أدوات محددة لكن الطقس المتوارث من عهد ما قبل الاسرات حتى اليوم من هنا يمكن ربطه بالديانة الشعبية التي كان السحر يشكل جزء أساسيا منها وكان أيضا يشكل جزءا لا يتجزأ من الحياة الشعبية للمصري القديم ومازال مع اختلاف الطلاسم والمواد، كان مرتبطا بالحياة الشعبية اليومية للعامة وتستخدم فيه خامات البيئة البسيطة ويقوم به أي كاهن أو ساحر محلي.
ويرجع تاريخ أقدم نص للعن للقرن ل٢٤٠٠ ق.م عهد الدولة القديمة عثر على تماثيل مصغرة من الصلصال على شكل أجانب مقيدين من الخلف واسماءهم محفورة على صدورهم فى بعض الاحيان بحبر احمر من أكسيد الحديد او باللون الاسود بفحم الكربون مع بعض الاصباغ بالجيزة .
أيضا في عصر الدولة الوسطى في مقابر تعود لعصر الاسرة الثانية عشر عثر على تماثيل كبيرة وصغيرة من نفس النوع في سقارة، وفي نهاية الدولة الوسطى أصبحت نصوص اللعن تكتب على قطع فخارية مكسرة.
الطقس كان منتشرا على المستوى الشعبي حتى أن الأثريين عثروا على أكثر من ١٠٠٠قطعة في اماكن النفايات بأبيدوس وطيبة والفنتين وميرجيسا والجيزة وسقارة وحلوان والنوبة، ووجدت التماثيل المحطمة معباة غالبا في جرار فخارية وأحيانا في علب من الألباستر، التحطيم هو طقس آمن به المصريين للتخلص من أية قوى سحرية يحملها المجسم.
أهم مجموعات تماثيل اللعن التي عثر عليها هي حوالى مئة تمثال من الطين غير المخبوز موجودة الآن في بروكسل وتعرف باسم نصوص بروكسل تحتوى على اسماء مئات الملوك والمدن والقادة المحيطة بمصر وأيضا مصريين أحياء وأموات لهم ارواح تتجول للإيذاء كذلك فى متحف اللوفر يوجد تمثال لعنات لامراة عارية بوجه يشبه منقار الطائر ويديها مقيدتان خلف ظهرها ونصفها السفلي ملفوف بقطعة قماش يبدو انه طلسم لنزع خصوبة هذه السيدة و يعود لعصر الدولة الوسطى، متحف اللوفر يمتلك مجموعة كبيرة من تماثيل اللعنات الانثوية بعض التماثيل يعود للعصر البطلمي وما بعده وهى أعمال لإلحاق الأذى بأشخاص بعينهم وهناك عصى مغروسة في اعضائها المختلفة الأثري البلجيكي الشهير جان كابارات اشترى هذه المجموعة من تاجر الاثار القاهري يوسف خوام سنة ١٩٣٨ ويرجح انها ومجموعة المتحف المصرى جاءت من مقابر سقارة.
ما يميز تماثيل اللعنات هو التنوع الكبير جدا في أسلوب النحت من الواقعي للبدائي لأشكال تجريدية تماما في التشريح الجسدي وفى ملامح الوجه الذى استبدلها احيانا بشكل طائر أو برأس حمار الذي هو أحد رموز الإله ست اله الشر والصحراء، أيضا أن بعض هذه التماثيل كانت ترتدي أطواق وحلي وصنعت بوضعيات مختلفة مائلة للخلف أو منحنية للأمام واحيانا راكعة على ركبتيها أو واقفة، كذلك من الملاحظ الدقة في تمثيل تصفيفات الشعر واستخدام الوان مثل الاحمر الدال على القوة والدم والاسود ما يعكس الدقة فى استخدام التمثيل الفني لخدمة الطقس.
فى عصرنا الحالي مازال البعض ممن يؤمنون بالسحر واللعنة يلجأن لمن يصنع لهم تماثيل لعنات من القماش ومواد أخرى ومن عظام الحيوانات وربما استعانوا بصورة فوتوغرافية للشخص المراد به الضرر ويكتب فوقها بالأحمر والاسود في طقس قريب الشبه لما فعله أجدادهم من ألوف السنين.

#النحت_الشعبي
#فن_البوب_الشعبي
#رحلةالبحث_عن_العروسة
#samaayhia
#سماء_يحيى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى