عندما قبَّلتني الأرض في فمي
إيناس رشيد| سوريا
ما زلتُ أذكر اللحظةَ التي سقطتُ فيها، حيث استقبلتني الأرضُ بكلّ خشونتها وقبّلتني في فمي.. كاسرةً سنّي الذي لم يجاوز الستة أعوام، بعد أن كنت أهيّءُ نفسي لمغادرته دونما ألم.. كما وعدوني!
بدأ الدمُ يسيلُ داخلَ فمي، ويختلطُ باللّعاب، وكونها المرّة الأولى التي أتذوقُ فيها طعمَ الدّم، كنتُ أشعرُ بالقرف، وأصرخُ ملْءَ قلبي متألّماً من مرارةِ الطَّعم!
تأتي أمي مسرعة، وأزيدُ بدوري من عيارِ البكاء كي أجذبَ انتباهها، شاكياً لها هذه الأرضَ التي لا ترحم!
الأرضُ التي لا تأبه بأبنائها الصغارِ قبل الكبار.
وتقولُ أمي، دون قصد:
انظر يا صغيري، هذا يشبه رُبَّ الفراولة، لونه أحمر.. انظر!
هدَّأَتْ يومها من روعي وحضنتني.
ثمّ استمرّتِ اللعبةُ ما يزيد على خمسة عشر عاماً..
كنت إذاً في العشرين من العمر أو أقل.
في اللعبة كان عليَّ أن أركضَ طويلاً، حاملاً بندقيةً لا تفهمُ معنى الاتّجاهات، ورغمَ عناءِ توجيهها إلى المكانِ الصحيح، إلاّ أنّي كنت أخطئ دائماً.
وكان ليُضحكني كيفَ لا يفعلُ رفقائي المثل.. فقد كانت مجرّد لعبة!
أوَليست لعبتنا المفضّلة!
شرطة وحرامية
حرامية وشرطة!!
والأرضُ هي هي.. بكلِّ قساوتها ظلّت تستقبلُ رفاقي، وتقبّلهم في فمهم.
يال هذه العاشقة صعبةِ المراس!
ولم تعدْ تكتفي بتكسيرِ أسناننا، بل راحت تطحنُ رؤوسنا وقلوبنا، وكلَّ ما فينا من أمل، وأصبحنا نتعاطى رُبَّ الفراولة..
لكنه ظلَّ مرّاً..
لا يزالُ مرّاً يا أمي، إذا ما اختلطَ باللّعاب
ساعةَ الألم …
4. June. 2020