كرائحة الياسمين
معين شلبية| فلسطين
(هِيَ وحدَها، وأَنا أَمامَ جمالِهَا وَحدِي؛ لماذَا لاْ تُوحِّدُنا الهَشاشَةُ)؟
شهيَّاً كلقاءٍ.. كانَ فِراقُنَا الافتراضيُّ
ذاكَ المبشِّرُ بِسَقْطِ الشَّوقِ المشتعلِ المُنْهَكِ المنهمكِ
بزهرةِ الغيابِ الَّتي تتساقطُ باسمةً على
سريرِ حنينِكِ المكسورِ
كأَنَّما لا رغبةُ العمرِ يَفضحُها المساءُ
ولا تبكي رسائِلُ غادَرَتْنَا
مُذْ صارَ التَّأَمُّلُ فكرةً في غيرِ موعِدِهَا تقول:
حاصِرْ حنينكَ بالجُنون
سيكونُ صعباً أَنْ نَكون.
كانَ في رائِحةِ الياسمينِ على الضِّفافِ
ما أَحببنَا
وكانَ الانتظارُ الَّذي رَسَمْتُ عليهِ خَطْوِكِ
مِنْ أَوَّلِ الدَّرَجِ الطَّويلِ لا يَبينُ ولا يَزول
لكنِّي أَقول:
مِنْ أَينَ جاءَ الانتظارُ؟
وكلُّ هذا العمرِ كانَ يَرسو في مهبِّ الذِّكريات
كأَنَّ ما فينا تعالَى أَو تداعَى أَو هَمَى
لأَختتمَ الحكايةَ مِنْ بدايةِ ما انتهَى.
لم يبقَ إِلَّا الانتظارُ..
لم يبقَ إِلَّا الانتظارُ يُرشِدُني إِلى كلماتيَ الأُولَى
ونحنُ فوقَ الرِّيحِ
منسيُّونَ خلفَ غيومِنَا الزَّرقاءِ
يلمعُ تحتَنَا برقٌ ويعبرُ فوقَنَا رعدٌ
ونبحثُ عن محطَّتِنَا الصَّغيرةِ
في شُرفةِ اللَّيلِ الأَخيرَة.
صباحُ اللَّهْفةِ أَيَّتُها الأَميرَة
صباحُ الدَّهْشَةِ المُفْعَمِ بأَريجِ الأُنوثةِ
والعُذوبةِ والوَقار
صباحُ الحُبِّ لِمَنْ تعرَّتْ رُوْحُهَا
وَراحَ جِسْمُهَا الغَضُّ يَفيضُ ناراً ونوراً
وَأَنا عندَ قدميهَا الحافيتينِ
أَرفعُ حالاتِ التَّجَلِّي، أَرفعُ حالاتِ الهَيَمَان.
يُثيرُني ضبابُهَا الكَثيفُ
بَهارُها المُذْهِلُ
شَهْقَةُ فُتْحَةِ عُرْيِ روحِهَا الطَّيِّبَة
انْسيابُهَا العاطفيُّ المُضْطَرِب
جَسَدُها المباغِتُ الأَكُوْل
أُنوثَتُهَا الَّتي أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تكونَ امرأَةً لأَحَد.
أُحاولُ استحضارَها
وَأَقبِضُ على هذي اللَّحظةِ
فِيْ شطحاتِ الحُلْمِ حَتَّى لاْ أَنقرِض
وَأَعرِفُ أَنَّ الحُلْمَ بدونِهَا لا قيمةَ لَهُ
أَستَقوي بِخَسَاراتي
علَّها تُبْعَثُ مِنْ سُباتِهَا العاطِفيِّ
تَعتلي صهوةَ الرِّيْحِ، تُلبِّي النِّداءَ، وتأْتي.
فِي القلبِ أَشياءٌ كثيرةٌ تتشَظَّى بَوْحَاً
تَستعصِي على الخُروجِ
لِفتاةٍ تَنهضُ فِيْ ضيافةِ المَطَر
لِفتاةٍ تفرَّغَتِ الفراديسُ لَهَا
لِفتاةٍ هِيَ الفتاةُ.. وَالباقياتُ صَدَى.
هَلْ تَذكرينَ بقايا النِّشيدِ وَهِيَ تنزفُ
فوقَ صَدرِي ذاتَ شوقٍ واحتقان؟
وَأَسْأَلُ:
كيفَ أَشُمُّ على راحتيكِ الخريفَ
ونحنُ في عِزِّ الشِّتاء
كَيفَ سأَمضِي الفُصولَ عارياً منكِ
مِنْ رائِحَتِكِ، مِنْ دمعِكِ الجَسُور
مِنْ ضحكَتِكِ الآسِرَة، مِنْ خوفِكِ البَهيِّ
وجمالِكِ وحضورِكِ المتوتِّرِ الشَّهِيِّ؟
قَوارِبُ الوَجْدِ تحمِلُنِي إِليكِ
لِغيابِكِ وَحْشَةٌ للسَّريرِ ورغبةٌ تُوْقِظُ الأَعضاءَ
تُؤَثِّثُ الخطايَا الجميلةَ
وتُشْعِلُ المكانَ والزَّمَان.
كُلُّ شَيءٍ يُعيدُنِي إِليكِ
كأَنِّي أَنا المنذورُ فيكِ لهذا
القِطافِ الموسميِّ
وكلَّمَا هَمَمْتُ بمغادَرَتِكِ تَعَثَّرْتُ بِكِ
أَتخيَّلُ مَعَكِ التَّفاصيلَ الصَّغيرةَ والكبيرَةَ
كأَنَّ الحياةَ على عَجَلٍ
مارقةٌ وضيِّقةٌ فِي اتِّساعِ العالَمِ العبثيِّ.
وليْ معكِ خفايا الانتظارِ الَّتي
انهمرَتْ عَنِ الوقتِ
أُنوثَتُكِ المغلولَةُ، تدابيرُكِ الحسِّيَّةُ
تنهيدةُ الحبقِ على شُرفةِ البحرِ
مَزاجُكِ المُهَيَّىءُ لمزيدٍ مِنَ الحُزْنِ
فَوْحُ ملابِسِكِ، وطيفٌ بهيٌّ يَزدهيهِ الياسمين.
ولي فِي المساءِ القريبِ
مَيْلٌ لطيفٌ وسَمَرٌ قَشيبٌ
عساهُ يَسْقُطُ عن شجرِ التَّلاقِيِ ورقُ التَّنائِي
أَو غُصْنُ الغِياب، وأَعرفُ أَنِّي بصحراءِ حبِّكِ
أُطاردُ خيطَ سَراب
فماذا أَكونُ بعدَ المساءِ حينَ يَطْلُعُ مِنْ ليلي
نهارٌ عليكِ وأَمضي إِلى نَفْسي وحِسِّي مِنْ
بُعادٍ واقْتِراب؟
آهٍ.. ما أَمرَّ وما أَطيبَ الحنينَ إِليكِ
ولا نارَ عِندي لهذا الحَنينِ
غيرُ نارِ السِّنينِ أَو مهجَعِكْ
آهٍ ما أَجملَ وما أَوجعَ الحنينَ إِليكِ
ربَّما هيَ وَعْكَةٌ عشقيَّةٌ
أَو ربَّما هيَ شطحةٌ صوفيَّةٌ
نحو الغُروبِ أَو حالةٌ عبثيَّةٌ فيها
ستشتعلُ الدُّروب
فلا ضبابَ ولا غموضَ فِي انتظارِكِ
كمَا لوْ أَنَّ مَوعِدَنا معَ الموتِ ارتَبَكْ
ابتعدِي كيْ أَراكِ لأَصرُخَ:
قفْ يا زَمَن ما أَجمَلَكْ!
مِنْ كلِّ هاجِسَةٍ يُعاودُني إِليكِ الياسَمين
لو كنتُ أَعرفُ أَنَّ منفاكِ طويلٌ
لاخترتُ لي ركناً يجاوِرُكِ
يَستقي منهُ الحنينُ إِلى الحَنين.
أُحبُّكِ سيِّدةَ الماءِ أُحبُّكِ كما تَعشقُ
النَّارَ الفراشَةُ
لم تبقَ حولَ البيتِ أَضواءٌ معلَّقةٌ
تَنِثُّ ما فينا مِنَ الحُجُبِ
ومِنَ ارتقابِ الباطنيِّ مِنَ الكلامِ
الظَّاهريِّ لا يصولُ ولا يجولُ
وماذا أَقولُ؟
سلاماً على “إِيروسَ” المُعَدِّ لخوضِ الجِناسِ
يُخَلْخِلُ هذا المدَى
سلاماً على صدرِكِ المُنَوَّرِ يُهَلْهِلُ ثوبَ النَّدى
سلاماً لأَقلامِ الشِّفاهِ تَسْرِقُ مِنْ شفاهِ الصُّبحِ
تَنهيدةً لا تعودُ
سلاماً على خَلْخَالِكِ الغجريِّ يأْخُذُني إِلى بلادٍ
لا حدودَ لها
سلاماً على مِشطِكِ العاجيِّ، أَحجارِ خواتِمِكِ
مِلْقَطِ شَعرِكِ وعلى قميصٍ غارقٍ فِي الحليبِ فوقَ الفراشِ الوثيرِ الأَثيرِ!
وماذا أَقولُ لو خانَني الحظُّ أَو ضَلَّتْ بِيَ الطُّرُقُ
لا أَقولُ الحياةُ سِجالٌ، بلْ أَقولُ:
الحياةُ مجرَّدُ مسأَلَة.
لِلَيْلِ المُحبينَ
نتذكَّرُ أَيامنَا فِي الشِّتاءِ البعيدِ البعيدِ
عمَّا أَقمنا وما سنُقيمُ بعدَ هَدْيِ السَّفَر
لا شيءَ يُدخِلُني في كتابِ الذِّكرياتِ
سِوى الضَّجَر
ويُخرجُني خَطوةً خَطوةً مِن حِكمتيِ
وما تَسَعُ القريحةُ مِن وَجَعِ الحياةِ
وأَسبابِ القَدَر
هل نَسِيتُ أَنْ أَقولَ ما لمْ أَقُلْ شِعراً ونثراً
عن مجرَّاتِ السَّهَر
فلا أَحَدٌ يُقاسمُني جِراحي لأَنْسَى
عِشْقَ “بجماليونَ” لتمثالِهِ المُنْتَقَىى
ولا شيءَ يُبعدُني عن نَشيدي لأُكملَ
حَدْسَ “أَبولو” أَو إِيقاعَهُ المنتَظَر.
ما أَشقَّ الكلامَ عليَّ
وما أَشدَّ بَطْشَ الحقيقَةِ
صمتٌ مُتعدِّدُ الأَصواتِ مَزَّقَهُ نداءٌ صَارخٌ
فيْ صحوةِ الجَسَد
لا مَدَدَ عندي لهذا العَتادِ
ولا قدْحُ زَنْدِي لهذا الرَّمادِ
غيرُ نارِ الكلامِ عن جسدٍ فائِضِ التَّكوينِ في رُوحِ التَّجلِّي والبهاءِ السُّندسيِّ
عن مُتَعِ التَّسَكُعِ فِيْ آخرِ اللَّيلِ
حينَ لا يبقَى أَحَد
عن نبيذٍ وقهوَةٍ ورشفٍ مِنْ كؤُوسِ لذَّتِهَا
عن صُحُفٍ وفوضَى ومقهًى فِي الجِوارِ
عن ترنيمةِ الهمسِ
وكتابٍ حائِرٍ تحتَ الوسادةِ
عنِ العطرِ النِّسائِيِّ
عن مَطامعِ العُوْدِ والصَّندلِ
عن عاصفةِ الزَّبرجَدِ فِي السَّريرِ
مُرْتَقَى الوَصْلِ
أَقاصِي الانتشاءِ، وعن موتِنا المُشْتَهَى
حتَّى الفناءَ عَنِ الفناءِ المُنْتَهَى.
سيِّدتي، سيِّدةَ الأَرضِ:
أَكلَّما مررتُ بالحديقةِ
بُحْتُ كعاشقِ غريقٍ تأْكُلُهُ النِّيران
وكلَّما أَرقتُ عِطري انبعثتُ هَبَّةً هَبَّةً
في مُلتقى الأَمرَّين
هل قلتُ لكِ مرَّةً:
إِنَّ نُضُوْجَكِ فائِضُ التَّأْنيثِ
يُورِّطُنِي تحتَ عريشةٍ جمالِيَّةٍ
وَأَنتِ تَحضُنينَ فاكِهَةَ التَّأَلُّقِ والتَّردُّدِ
وَحَيْرَةَ القِطَافِ، كَأَنَّكِ خيبةٌ مُؤَجَّلَة.
بشهقةِ القُلوعِ أُكفكفُ رُوحي بينَ يديكِ
وكلَّما اشتكَى الجَسدانِ
أَعودُ لأُلقي بِنَفْسِي في أَحضانِ قارورةِ الآتي لأَبدأَ مِنْ جَديد
فاجتنابُكِ يا سيِّدتي كانَ عذاباً
لكنَّ استحضارَكِ صارَ أَعذَب.
لن أَفعلَ بعدَ اليومِ سِوى البحثِ عنكِ وعنِّي فيما تخبِّئُهُ الكواكبُ والفُصُول
سأَتخيَّلُكِ كما شئْتُ وشاءَ ليَ الهَوَى
قطعةً قطعةً وموضعاً موضعاً
لمواعيدَ عطشَى لا تجِفُّ ولا تَزُول
ها أَنا ذا أَسمعُ وقعَ خَطَواتِهَا ترنُّ في
رياضِ الذَّاكرَة
ها أَنا ذا أَلْصَقُ قلبي بالأَرضِ لَعَلِّي
أَسمعُ وقعَ خَلخالِهَا الفضِّيِّ مِنْ جَديد
فلربَّما خَفَتَتْ بها الأَنواءُ طرفاً
وعادَ اللَّيلُ كرمليَّاً كما كان
فلا شيءَ يُدْهِشُنِي فِي الحُبِّ سِوى
القُربان، أَو اقتسامِ الحُبِّ بالَّلاحُبِّ
وهدأَةٍ لا تَستكين
كأَنَّهُ مَسٌّ مِنَ الإِدمانِ أَو هَسٌّ مِنَ الهِجرانِ
أَو شلالُ حِسٍّ وافتتانٍ وحَنين
فلا سِرَّ في رُوحي أَمامَ الطِّينِ إِلَّا ما اعتمرتُ
وما بنيتُ مِنَ الأَنين
فكوني كما تَبغينَ ولا تَبغين
فراشةً تَسبحُ في فضاءِ الياسمينِ
يا الَّتي أَسفرَ موتُها عن عودةٍ
بما كَتبتُ وما رَسمتُ عنِ الحَنين.
في هذا المساءِ
وأَنتِ تُعِدِّينَ أَسئِلةَ العِتابِ
لم يَعُدْ لديَّ مِنَ المواقيتِ ما أُضيِّعُهَا
غيرُ سويعاتِ اللِّقاءِ
أَرأَيتِ وقتاً عادَ يوماً للوراءِ؟
هنا فِي انتظارِكِ أَنتظِرُكِ
فلا نكثٌ يستفزُّ الانتظارَ
لا شيءَ يُثْبِتُ أَنَّا في تلاقٍ
سِوى تواطُئٍ فادحٍ للأَماني
أَو رسمٍ واضحٍ للمعاني
وعبثٍ غامضٍ فِي الصِّور.
طُوبى لِمَلْقَى الانتظارِ
طُوبى لِمَرْقًى فِي العُلاً، طُوبى لَكِ
ما زلتُ مريضاً بكِ
لكنْ جاءَ الوقتُ يا حبيبةَ عُمري
لِتَعرفي شيئَاً عن سِرِّ عاداتِ
هِضابِكِ وسُهولِكِ حولَ نُهورِ الأُنوثَةِ
وبينَ كُرومِ الجَليل
حانَ الوقتُ يا صَديقتي، حانَ الوقتُ
لَمْ يبقَ فِي البالِ ما يدعو للغيابِ أَوِ الأُفُولِ وحيفا أَجملُ المُدُنِ
وعليكِ الوصولُ إِلى قرميدِ روحي لأُدْرِكَ
كُنْهَ ما حولي وحولَكِ وعمَّا تُخَلِّفُهُ الرَّوائحُ
في يديكِ وما تؤَجِّجُهُ البوارقُ والسُّيولُ
تَعالي إِليَّ إِليكِ، مِلءَ الحُضورِ ومِلءَ الغياب
اجلسي قُبالتي ولو وهْماً، أُريدُ أَنْ أَنظرَ
فِيْ عينيكِ قُربي
وحيداً وحيداً حينَ أَدخُلُ فيْ مساماتِ
ليلِكِ ذاتَ حُلْمٍ
ونحنُ قابَ حُلُمَيْنِ مِنَّا، مِنْ أَساطيرِ الزَّمانِ تهدهِدُ في مستقبلٍ حاضرٍ
فلا أَرى إِلَّا الخُرافاتِ تخلعُ التَّاريخَ عنَّا
مرحباً أَيُّها الغدُ الماضي، أَما زلتَ تأْخُذُ
منَّا وتُعطينا صُرَّةَ النُّقصان.
تَعالي إِليكِ إِليَّ
كَمْ طالَ فِيَّ انتظارُكِ، يَمُرُّ عَلَى المَوانئِ
أَو محطَّاتِ القطارِ ونحنُ على بُعدٍ وأَقربَ
مِنْ إِشاراتِ السَّماء
خذي كأْسَ ماءٍ وشفطةً مِن نبيذي
واخلعي كعبَكِ العالي برفقٍ والجواربَ اللَّحميَّةَ، وضعي حقيبتَكِ الصَّغيرةَ جانباً معطفَ المطرِ، شالَ الغيمِ
قميصَكِ الخردلِيَّ وقُرْطَي بريقٍ حائِرَيْنِ على الرَّخامِ، واستلقي قليلاً
لا تُخبري المرآةَ عنِّي وعن وجهِ التَّرَدُّدِ فِي الزُّمُرُّدِ والياقُوت
عن شَهْقَةِ رُوحِكِ المُتْرَعَة، عن قلبِكِ المُوَلَّهِ الشَّغوف، عن نَظراتِكِ الماطِرَة، عن ثغرِكِ اللُّؤْلُؤِيِّ زادُهُ عَذْبٌ زُلالُ
عن لسانٍ أَزهرَ فيهِ الماءُ، عن أَصابِعِكِ المُخْضَلَّةِ، عن ذقنَكِ اللُّجينيِّ الوَدودِ لا يروحُ ولا يَعود
ولا تُخبريها عن سِرِّ فَكِّ الاشتباكِ مَعْ عينيكِ وأَسئِلتي الوجودِيَّة، وعن مصيرٍ يحدِّدُهُ ما تخبِّئُهُ العواصفُ والوعودُ العاطفِيَّة
فعمَّا قليلٍ سينزلُ المطرُ مِن آنٍ لآن، ونُصغي لِدمدماتِ اللَّيلٍ تُعسعسُ في الجسدينِ وقصائِدَ تحفلُ بالغموضِ وبالرُّموزِ كما تَتْبَعُ الرُّوحُ الجَسَد
خُذيني.. فلم يبقَ مِنَ الوقتِ وقتٌ
فعمرُ الوقوتِ كعمرِ الشُّموعِ لا قلوعَ ولا بلوغَ ولا عَدَد.
على هَدْيِ المطالعِ أَعْبُرُ مِنَ الحُلْمِ إِلى الواقعِ فأَقطعُ حبلَ المُبتَغَىى
لا شيءَ يُدهشني الآنَ سوى العاصِفَة
كم مِنْ ليلةٍ وعدتْ بزخَّاتٍ مِنَ المطرِ وأَخلفتِ الوعودَ
آهٍ كمْ تعذِّبُني الوعودُ
وأَنا الوحيدُ كقطرةِ المطرِ الحزينِ..
أَنا الوحيدُ.
في جَسِّ نبضِ اللَّيلِ
أَلْهَبْتُ ما أَخمدتُ مِنْ أَسرارِ قصَّتِنَا
وكشفتُ كلَّ مشارقي ومغاربي
لا سرَّ بعدَ الجَهْرِ يتبعُني، لا يَضِنُّ ولا يَجُود
لا سرَّ بعدَ الآنَ يَرحلُ أَو يَعُود
فعمَّا أَنينٍ، سينزاحُ سِتْرٌ بينَنَا ويَشِي عمَّا فَعَلَتْ بِنَا الأَشواقُ
عنِ انْزلاقِ الفُلِّ فِي السَّاقينِ، وهو البهيُّ خارجَ وصفِهِ وصفاتِهِ
وحدي أَشمُّ روائِحَهُ في الزَّحام
عن بِلَّوْرِ كتفيكِ، وعن شامةٍ فِي اللَّيلِ تومئُ حينَ الذِّكرياتُ تُشفيني لا، ولا النِّسيان
عنِ كريستالِ أَظافِرِكِ تلمعُ مِن بعيد
عن ثَنايا ثيابِكِ الدَّاخليَّة واهتزازِ مِشْيَتِكِ
حين تختفينَ عن ناظرَيَّ لأَرَى بالفِطْرِ
لا بالفلسفَة.
حبيبتي، لأَنِّي أُحبُّكِ أَكْثَر
نامي في وحشةِ اللَّيلِ الطَّويلِ ونامِي
ما بينَ شكِّي واليَقين
ما مِنِ امرأَةٍ تَسْرِقُ منكِ العرشَ لا
ولا ارتعاشاتِ الحَرير
نامِي، ودَعِي أَنفَكِ الخَضُوبَ يمتلئُ برائِحَةِ الأَرضِ بعدَ المَطَر
دَعِي غَمَّازَتَكِ السَّاحِرَةَ لا تكُفُّ عنِ النِّداء
دَعِي قوسَ الحواجبِ لي، دَعِي عنقاً مِنَ الفيروز يَسطو، دَعِي نَبضاتِ نهديكِ الصَّغيرينِ على قلقٍ، ودَعِي القَنْدَ المعتَّقَ فِي الشَّفتينِ يَروي ما في اللَّيلِ مِن حَرٍّ ومِن ظِلٍّ
ودَعِيني الآنَ أَتنشَّقُ شَعْرَكِ المُبَلَّلَ بالشَّذى
اللَّيْليِّ الطَّويلِ، مذاقَ الأُذُنِ الورديَّة وما أَسفرَ عن بُروقي ورُعودي القَبَلِيَّة
دَعِيني أَشُمُّ رائِحةَ الطِّيبِ تحتَ إِبطيكِ
طعمَ التُّوتِ فِيْ حلمتيكِ حيثُ للأَرضِ رائِحةُ الخصوبةِ بعدَ زخَّاتِ المَطَر؛ آهٍ.. ما أَوسعَ غابةَ المَمَر، ما أَضيقَ حدودَ البَلَد، ما أَقصرَ امتدادَ الرُّوحِ، ما أَطولَ حَوافَ الجَسَد.
مِنْ ومضةِ الإِشراقِ تأْتي رَعشةُ الأَشواقِ
عفيفةً، مرئِيَّةً، حائِرَة
تحرِّرُ الأَجسادَ مِنْ عِبْءِ الخطيئَةِ والأَرواحَ
مِنَ الكلامِ العاطفيِّ
وأَسأَلُ: هل كانَ مِنْ حقِّي الدُّخُولُ إِلى مدينَتِكِ الغريبَةِ واحتراقي في شوارِعِهَا المُشتهاة؟ أَيا امرأَةً على شاكلةِ وطنٍ
يا حسرةَ عشقي المُرْتَجَى
يا دمعي المُكابِر.
مستسلماً لهزيعِ هَمْسِكِ أَسأَلُ كي أَراكِ
ولا أَرَى فيمَا أَرَى
قُومي لِنُكْمِلَ رحلةَ الأَحلامِ فوقَ حصانيَ الإِروسيِّ، عَشِقَتْهُ ريحُ جبينِكِ العالي ليالٍ
لا تـُطِلُّ على النَّهار
لَعَلَّ هَدْسَكِ لم يُدَغْدِغْ هاجِسَاً وَلَعَلَّ حَدْسَكِ لا يُسامِرُهُ الكلام
فالحكايةُ شهوةُ الماضي تُفضفِضُ
ما تُراودُهُ النُّفوسُ مِنَ البِدايَةِ للخِتام.
للحُبِّ رائِحةُ السَّريرِ بعدَ قُدَّاسِ الجَسَد
عادَ ولكنْ لمْ أَعُدْ!
وأَنا أَنا لو كنتِ أَنتِ أَنا.. ولكنَّي غريب!
فهلْ أَرقتِ الخمرَ ناراً
والصَّليبُ هوَ الصَّليب؟
قالتْ:
ما الحُبُّ في هذا الحُبِّ يا صاحبي؟
سأَلَتْنِي.. فأَصغيتُ للنَّبرِ الخفيضِ، بكلِّ ما أُوتيتُ من شَبَقِ الحياة.. قلتُ:
ثقةُ التَّوهُّمِ بالخيالِ، فنصفُ الحُبِّ وهمٌ يا صديقتي والنِّصفُ الآخرُ.. خيال.
وكما يَمِسُّ العاشقُ أَحلامَهُ فوقَ
الرُّخامِ الأُنْثَوِيِّ
دَعِيني أُمسِّدُ خَصْرَكِ السَّابحَ البَتُول
سُرَّتَكِ الماسيَّةَ بلَّلها الظَّمَأُ، فُسْتُقَ بطنِكِ
النَّمَشَ النُّحاسيَّ على ظَهْرِكِ، رُكبَتَكِ الملساءَ
ووعداً لا يَطول
حنانَ كفَّيكِ، زنابِقَ عَشْرٍ تَنْشُرُ البَخُوْرَ
فِيْ قدميكِ
دَعِيني أَتنفَّسُ حُبَّكِ
وأُرْوَى مِن دُميعاتِ النَّظَر
دَعِي كلَّ شيءٍ يسبحُ في شطحاتِ
الجَسَدِ ونامِي
نامِي في مَنامي الآنَ نامِي
أَيَا امرأَةً تتعرَّى على مَهَلٍ، كإِلهةٍ منقوعةٍ بخمرِ السَّريرِ أَضناهَا الشَّغَف
طارحِيني الحُبَّ لأُدركَ أَنِّي على قيدِ الشَّهيَّة
طارحِيني الموتَ لأَصْرُخَ في أَيِّ صوتٍ أَموتُ وفي أَيِّ رَجْعٍ سأُبعَثُ حيَّا
المِلْحُ في دمَّي احترق ونَزَقٌ آخَرُ لا يَرْشَحُهُ
إِلَّا الجَسَد
حيثُ لا منتهَى ولا انتهاء، يوقفُ قُدْرَتَكِ على
فَتْحِ شهيَّتي وَبَعْدُ وَبَعْد.
أَبحثُ فيْ ذاكرةِ الحنينِ
عن مدينةٍ خَارِجَ الخوفِ نَلتقي فيهَا بِلا ذُعْرٍ
عن حالةٍ نمارِسُهَا جَديرةٍ أَنْ تُشَكِّلَ بوحشيةٍ ناعِمَة مَحميَّةً استثنائِيَّة خارجَةً عَنِ المأْلوف
ذَاكَ العادِيِّ المغلَّفِ بشراشِفِ
النِّيرانِ والشَّهْوَة.
خُلِقَتْ الأَحلامُ كيْ لاْ تتحقَّق..
فَما زلتُ أَقْضُمُ فاكهةَ فِراقِكِ مُذْ عَرَفْتُكِ
“فإِنَّ أَجملَ حُبٍّ هُوَ الَّذي نَعْثُرُ عليهِ
أَثناءَ بحثِنَا عن شيءٍ آخر”
وَلكنَّهُ سُرعانَ مَا يتحوَّلُ إِلى مِدَادِ كتابَةٍ
مرشوشةٍ بالحُزْنِ والفُقدان
نُوَاحٍ داخِليٍّ لاْ يتوقَّفُ عَنِ الجَرَيان
وَتَوْقٍ إِلى الارتعاشِ فيْ حَضْرَةِ النَّشْوَةِ المَرْجُوَّة
سيِّدتي.. مَعَكِ يَبدو الحُلْمُ جَميلاً
لكنَّ الحُزْنَ أَجمَل!