الفجر (قصة قصيرة)
سيد طاهر | قاص مصري
سألتني ما عُمرك ..؟!
تعجبت ..وأجبتها بسخرية..
عُمري الآن مئة..اابتسمت بلا مبالاة وقالت : حسناً الآن بلغت سن الرشد .. بلغ بي الغضب مداه وكدت أن أنفجر .. ولكني تراجعت أمام غرابة الموقف ..كيف لفتاة بهذا الجمال وفتنة الصبا تقف وسط المقابر وحيدة في ساعة من الليل متأخرة تجاهلت تعليقها .. وسألتها: أهذا هو العمر الذي يبلغ الإنسان فيه سن الرشد..؟!
قالت نعم عندنا .. وهنا ثورت .. وأوقفتها عن الحديث وسألتها مستنكراً: من أنتم ..؟ !قالت وهي تضحك بصوت صارخ غريب،، لمحت حينها رأس ثُعبان يطل من فمها بأعين كاللهيب ..انتابني الخوف والفزع .. وتراجعت بعيداً عن مصدر الخطر.. سألتها: ما هذا الشئ الغريب الذي يرقد في فمك ويبث اللهب .. تبسمت وقالت: تقصد اللسان ..ولكني أجبتها بغضب ،، بل أقصد الثعبان الراقد بين فكيك يبخ الأذى..قالت هو في عالمنا – لسان وفي عالمكم ثُعبان ولكنه واحد ألا تعلمون أنكم تحشرون إلى جهنم بحصائد ألسنتكم ..أو ثعبان أفواهكم .. ساد الصمت المكان وغلفت الظلمة ساحة المقابر المهجورة ..وبدت شواهد المقابر كأشباح ساكنة.. وكأن ضوء القمر كان خجولاً يتوارى من الخوف ..وساد صمت القبور وتلعثمت الكلمات في الحناجر كسيحة وسادت رهبة الموقف ..سألتها وقد تسمرت في مكاني من الخوف والرهبة قلت لها: ولما أنت الآن هنا ..؟! في هذه الليلة الموحشة ..؟! صمتت برهة ونكست رأسها ..ثم مسحت دموع حمراء من الدم ،، سالت على وجنتيها الجميلتين.. من أعيُن ساحرات الإحورار ..وقالت : جئت لزيارة قبر الحبيب !!.. فقد رحل منذ سنين وهو الآن يرقد مع البشر ..!! اانتابتني الرهبة و قشعريرة الخوف ..وألح علي سؤال حائر.. أخشى سؤاله ولكني تمالكت العزيمة والشجاعة.. وشجعني حزنها الباكي فسألتها: هل كنت تعشقين إنسياً من البشر؟! وأنت من ..؟! وتلعثمت ..ولم أكمل سؤالي الذي تجمد في حلقي ..وأكملت هي وقالت: نعم عشقته من مئات السنين ولم نفترق ..مات هو في دنياكم ..ولكني لم أزل أزوره في حلمه!! وأحياناً في القبر إلى حين ؟! ..كانت تحدثني وبريق الدموع في عينيها يشع ضوء فتنة إغراء يسحر الألباب كانت جميلة الوجه فاتنة الطلة ساحرة العيون ..لولا مايسكن الفم من أفعى وسم واستعادة بالله من الشيطان الرجيم لسقط العبد الضعيف !! ..قلت لها: الفجر كاد أن يحين وتنقشع الظلمة وتبصر أنوار اليقين .. فلنرحل كل لما قدر الله له أن يكون ..أنا للمسجد للوضوء والصلاة وأنت حيث لا تحرقين .. وسرنا كلُ في طريق ..وهناك على مدى البصر البعيد و نهاية السور العتيق ..كان مسجد عامر بآيات قرآن الفجر العظيم ..أذن المؤذن يدعو للصلاة ونعوذ نحن بالله من الشيطان الرجيم ..وصحوت من نومي على آذان الفجر لأحمد الله وأدعوه أن يلطف بنا وبكل البشر بما حل من وباء بالعباد ندعوك ربي فاستجب.