رحلة فدوى طوقان وإبداع محمود شقير
عبد الله دعيس| فلسطين
صدر كتاب “فدوى طوقان…الرحلة الأبهى” عام 2018 بالتعاون بين وزارة الثّقافة ومؤسسة تامر في رام الله، ضمن مشروع الوزارة للاحتفال بمئويات الروّاد الفلسطينيّين، والكتاب من اعداد الأديب محمود شقير.
دأب الكاتب محمود شقير على الكتابة للفتيان والفتيات الناشئين؛ فقادهم إلى القدس وعرّفهم بمحطّات مهمّة من حياته في كتابه القدس مدينتي الأولى. وهنا، في هذا الكتاب، يتّبع الكاتب نفس المنهج، ليعرّف النّاشئة بحياة الشاعرة الفلسطينيّة فدوى طوقان، وليرتحل بهم بين القدس ونابلس، رابطا الشخوص بالمكان، وصانعا قدوة أخرى، ونموذجا للنجاح والتّغلب على الصّعاب. وما أحرى النشء أن يتعرّفوا على أعلام بلادهم وقممها الشامخة، لتضيء لهم تجارب حياتهم طريقا إلى مستقبل زاهر، ولتشحنهم عثراتهم بقوّة يتغلّبون بها على معيقات يضعها محتلّ غاشم، وليكونوا نبراسا لهم، ودافعا للتمسّك بثرى الوطن، وولوج عالم الإبداع والتميّز.
يعيد الكاتب محمود شقير فدوى طوقان إلى الحياة، ويكتب سيرتها بأسلوب قصصيّ مشوّق بعيدا عن رتابة السرد التاريخي للسيرة، وبلغة مناسبة للفتيان والفتيات. فالكتاب أشبه برواية شخوصها الكاتب نفسه والشاعرة فدوى طوقان.
هل يموت المبدعون؟ سؤال يتردّد في ذهن القارئ عندما يصطحب الكاتب الشاعرة، التي يخالها حيّة ترزق، في رحلات بين القدس ونابلس، يتعرّف القارئ من خلالها على معالم المدينتين، كما يتعرّف على محطات كثيرة في حياة الشاعرة فدوى طوقان. ليصل إلى يقين أنّ المبدع يبقى حيّا بما قدّمه من عطاء يدوم أثره ولو غاب جسده.
ونلاحظ من خلال قراءتنا للكتاب، سيطرة الكاتب التّامة على عنصر الزّمان، رغم تردّده بين أزمان مختلفة، فينتقل الكاتب من الوقت الحاضر إلى طفولة فدوى طوقان زمن الانتداب، إلى حرب عام 1967، ثمّ يعود إلى الحاضر في فقرات متلاحقة، دون أن يشعر القارئ أنّه تاه في طيّات السنين التي تنقلب ثمّ تعود إلى الوراء مرّة بعد مرّة.
ويبدع الكاتب عندما يروي أحداث سيرة فدوى طوقان عن طريق مجموعة من الحوارات المفترضة بينه وبينها، فهو لم يكرّر سيرة فدوى طوقان كما كتبتها في كتابيها (رحلة جبلية صعبة) و (الرحلة الأصعب) وإنما اقتطف منها أبرز محطاتها، وصاغها بأسلوب روائيّ مشوّق، معتمدا فيه على الحوار.
ومن خلال سيرة فدوى طوقان، يوضح الكاتب طبيعة الحياة الاجتماعيّة في مدينة نابلس، والتطوّرالذي طرأ عليها على مرّ السنوات، ويعرّج على كثير من المثالب الاجتماعيّة في الماضي والحاضر، وخاصة فيما يتعلّق بنظرة المجتمع للمرأة والظلم الذي وقع عليها.
وفي هذا الكتاب تبرز فدوى طوقان القدوة، التي تتخطّى جميع الصعاب، وتتغلّب على القيود الاجتماعيّة والأسريّة، وتنجح نجاحا باهرا في مجال الشعر والأدب رغم كل العراقيل؛ لتكون سيرتها حافزا لكل من يتقاعس عن العمل محتجّا بظروف الحياة الصعبة وقيود الاحتلال.
تواجه فدوى خلال حياتها مصيبة موت أعزائها واحدا تلو الأخر، فيتوفّى عمها، ثم صديقتها ثمّ اخوها إبراهيم ثمّ أخوها نمر، وكأنّ الموت يترصّدها ويأخذ كلّ من آزرها ودعمها. لكنّها لا تستسلم للحزن والألم، وإنّما تجعل عثراتها حافزا آخر لمواصلة الابداع. وفي هذا ما به من تأثير على القارئ الفتيّ، الذي قد يواجَه بموّت الأعزّاء في مراحل عمره الأولى.
والكتاب بشكل عام يتّصف بالتشويق والإثارة. ومن الحيل التي ابتدعها الكاتب لزيادة التشويق، عدم الإفصاح عن شخصيّته لفدوى، وإخفاء من يكون كلما عاودته السّؤال عن شخصه، مما يثير القارئ لمعرفة شخص ذاك الذي يرتحل مع شاعرة ميّتة، وينتقل القارئ بين الأحداث متشوّقا لمعرفة المزيد عن علاقة الكاتب مع الشاعرة، رغم أنّ نهاية السيرة معروفة سلفا.
رحلة الكاتب محمود شقير في عالم الكتابة رحلة رائعة، ورحلة الشاعرة فدوى طوقان في عالم الشعر والأدب رحلة عظيمة، أما رحلتهما معا فهي حقّا الرحلة الأبهى.