المحاكمة

محمد الشحات | نائب رئيس تحرير – أخبار اليوم

دخل الحاجبُ

 أطلق صوتاً 

أفرغ  ما كنت أخبئه في رئتي

من بعض هواءٍ

  كنت أحاول أن أجعلَهُ

يكمل آخر أنفاسي

 حين يخطّ القاضي

بآخر أحرفهِ

ويتلو ماسطره من وحيِ عدالتهِ

ويغلق دفترَهُ ويمضي

وأنا أمضي للمجهولْ. 

*** 

محكمةٌ

وقف الجمعُ

ووقفت عيناي عن الرؤيةِ،

والتحديقِ

كأن العالم  قد أغلق صفحتَهُ

شعرتُ بدقات القلبِ

قد انفرطتْ

وبأن متاريسَ الخوفِ

ارتصّتْ

لا مهربَ منها

والقضبان قد التفّتْ

كي تعصرني

***

جلس القاضي

طلب بأن يستمع إلي التهمِ

انتفض القلبُ

فأوقعني الخوفُ

فلم تحملني قدمايَ

ارتجت أروقةُ القاعةِ

حين ارتفع الصوتُ

التهم ترنَّ بأذنَيّ :

متهمٌ بالضحك علي البسطاءِ

 وتزييف الأحلامِ 

والشغب بدعوى حب الوطنِ

وبدعة تأليف الشعر المحدثِ

والسمّ المدسوس بمعسول القولِ

وتزين الحرفِ

فينخدعوا

تتواري حتي تجعلَ قولكَ

ينسل بطيئاً

فيصيب مشاعرَهمْ

تجعلهم يبتهجونَ فينساقونَ

تجيد التزييف وتنميق الحرفِ

وتضليل الخلقَ

تُهمٌ تفضي للإعدام 

***

– أنا لم أخدع أحداً 

كلٌ مسئول عن نفسه 

هل كان الشعر ضلالاً

– أصمتْ

لن يقبل منك دفاعٌ

أنت هنا متهمٌ

***

نادِ على أول شاهدْ

عرّف نفسكَ

ضمير المتهم 

– كنت أراه لأول مرة

كيف خرجت وكيف أراك أمامى

فأنا لم أعرف أين تقيمُِ

وكم حاولت بأن ألقاكْ

عاجلنى القاضي :

ـ أصمتْ

   ـ كنت تحاول أن تلوي عنقي

أنا من كنت أحاول أن أوقظكَ

فلم تعرفني إلا حين أحاصركَ

يضيق عليك الطوقُ

أنا من حاولت بأن أعلى من شأنِكْ

– غير صحيحٍ

أنت الأن تخادعُ

ولسوف أحاكمك بلا إخلاء سبيلٍ

أنت مدانٌ

لم أتخيل أن تتخلى عنى

وأنا من أعليت مكانتكَ

وكنت أفضلك على نفسي

 ـ غير صحيحٍ، لا تخدعنى 

انفعل القاضي :

– أصمتْ

وأشار بأصبعِهِ

قام الحاجب وارتفع الصوتُ

 ونادى قلبَ المتهمِ

تنفّست الصعداءَ

 فقلبي يعرفني

أشعر أن نجاتي بين يديهِ

نظرت إلي القلبِ

همست لكي يسمعني

استفتِ القلبْ

– هل تذكرها

كنت أسير كما تأمرني

فإذا كان هناك خداعٌ

 فيعود الأمر إليكَ

أنا لم أفعل غيرَ صحيح الفعلْ

كنت تفضل عينيك وعقلكْ

وتداري إحساسكَ 

وتحركني كيف تشاءْ

هل تذكر حين ارتفعت دقاتي

وزاد نبضاتي وأنا أنظر مَن أحببتُ

أشحت بوجهك

قاومت لكي لا يسكنني الحبّ

 فأنت الآن بلا قلبٍ

لن أترككَ تواصلُ رحلتكَ

فكدت أشلّ

*** 

أصرخ  وأنا مرتعشٌ

ـ قلبي

انفعل القاضي :

ـ قلت اصمت

قام الحاجب نادى 

عين المتهم 

وحين نظرت إلي عيني 

لم تشعرنى برباط  يجمعنا  

ذهبت خلف حدود الرؤيا

وانغلقت

كدت أراودها فتراوغنى 

كشفت دون حياء 

عن كل مواطن ضعفى

عن خوفى

عن لحظات بكائى 

كادت تغلق 

نبهها القاضى بالقسم وبالتوكيد

أصرّت وأذاعت ما أخفتهُ

فضحتنى

فتمنيت بأن تبلعنى الأرضْ

*** 

قام الحاجب نادى

– عقل المتهم

انحاز ضميرى إلى جانب قلبى

فيما انغلقت عيناى 

طلب القاضى من عقلى ألا يسهب

طلب بأن يوجز

خاف بأن يصدم قلبى 

وضميرى ويخالف عيني

رفع القاضى الصوتُ

فطال الصمتُ

وشعر العقل بقلقٍ

وأحس بغضب القاضى

فاستمسك واعتدل وفند كل التهمِ

فعاجله القاضى بأنك شاهد

بدأ العقل يراوغُ

كدت أجنّ

كنت أتوق لكي أعرف خاتمتي

أمدانٌ ؟ أم غير مدان ؟ 

حمل العقل بصوب معاندة الأفكارْ

ومراوغة الحججِ

وكم خالفنى الرأىَ

شعرت بأنّ الخاتمةَ قد أقتربتْ

خط القاضى بعض سطورٍ

– ستعاد محاكمةُ المتهمِ

ويُحبس كل شهود الإثباتْ

فالكل مدانْ

ويحال الأمر إلى دائرة أخرى

***

حدائق القبة 3 مايو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى