النبوغ الروحي
أ. د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
أعجب ما في الإنسان أنه يحيا حياة هي مزيج ألوان؛ ففيه من الطبائع ما تفرضه الغريزة الدفينة في أعماق نفسه، وفيه عنصر شديد الشوق للعلم والمعرفة، وفي الإنسان عنصر روحي يجاور عناصره الأخرى، وقد استشعره الإنسان منذ وُجِد، وكما أن عنصر العقل فيه مظهره العلم؛ فعنصر الروح فيه مظهره الدين، الذي حقق طموحه إلى كل ما هو حق وخير وجمال، ومنه استشعر قوة تسيطر على نفسه وعلى العالم، وأن روحاً عليا نفخت فيه قبساً من نورها، وأنها ترافقه وتتجاوب معه.
والإنسان في أسمى معانيه يستشعر أن في باطنه شيئاً ليس مادياً وليس من جنس الأرض، شيئاً يحل العلاقة بين العقل والحياة، ولقد بذل العلماء جهودهم لحل هذه العلاقة إلا أن كثيراً منهم ظل يستشعر فراغ نفسه، وهذا الفراغ لا يملؤه إلا إيمان بقوة فوق المادة، وروح تسيطر عليها وتبعث فيها الحياة، وأنهم بهذا الإيمان يشعرون بقوة عظيمة لاتساع نفوسهم واندماجها في العالم أجمع، إنهم والعالم مشمولون بروح عليا تُسيّرهم. والمتأمل للحياة سيلحظ أن الناس يختلفون في مقدار العناصر التي يتكونون منها؛ فبعض الناس أكبر عناصره غريزته، وبعضهم يغلب عليه عنصره العقلي كما يتجلى ذلك في العلماء المتفرغين للبحث والمعرفة، وبعضهم يغلب عليه العنصر الروحي، وهؤلاء يشعرون بنقص أنفسهم، ويستشعرون روحاً عليا تُشرف عليهم، وهؤلاء يدركون العالَم على نحو غير الذي يدركه العالِم. وهؤلاء أيضاً لا يقفون على الظواهر، وإنما يتوحدون مع الوجود فيتجاوبون مع العالَم ويتجاوب العالَم معهم.
وفي هذا السياق أذكر قصة طريفة للأديب الكبير هربرت ويلز سماها “مملكة العميان”، وخلاصتها أن جماعة من العميان طَوَّح بهم القدر حتى أنزلهم وادياً بعيداً منعزلاً، تحيط بهم جبال شاهقة وَعِرَة، فعاشوا فيه، وقد عوضتهم الطبيعة عن فقدان أعينهم حدة في آذانهم، وبذلك استطاعوا أن يُكوّنوا لأنفسهم مدينة توافق حالتهم وطبيعتهم، ووثقوا كل الثقة في معارفهم ومداركهم، وشاء القدر أن ينزل بواديهم رجل بصير، فحدّثهم عن السماء وصفائها والنجوم وضيائها، والثلوج وبياضها، فأيقنوا أنه مجنون، وأن ما تراه عيناه هو ضرب من الوهم والخداع، وكلما حاول الرجل المبصر أن يقنعهم بأنهم فاقدو البصر، وأن إدراكه أصدق منهم، أمعنوا في السخرية منه، ولم يجد الرجل في نهاية الأمر إلا الفرار منهم لمّا عزموا أن يفقؤوا عينيه؛ فهي سبب فساد عقله.
إن ملكات الإنسان عديدة والعنصر الروحي أرقى الملكات، والنبوغ في كل ملكة موضع إعجاب، ولكن أعجب العجب هو النبوغ الروحي، وما أكثر الناس، ولكن الإنسان بينهم قليل.
العنوان طريف والموضوع يحتاج إلى قراءة المقال أكثر من مرة، وبالفعل فينا قدرات وإمكانات كثيرة وتحتاج إلى اكتشاف. المقال إيجابي ومشجع كما تعودنا من د. محمد سعيد
شكراً لعالم الثقافة
قصة مملكة العميان قصة مثيرة جدا وتعطي رؤية لنا مختلفة. بالفعل المقال يحتاج لقراءة متكررة والعنوان جميل جدا. شكرا للدكتور محمد
تضمن المقال عبارات مهمة مثل ما أكثر الناس ولكن الإنسان بينهم قليل. شكراً للأستاذ الدكتور محمد سعيد على وجبته الأسبوعية التي نتابعها بكثير من الشوق والانتظار. والشكر الجزيل لواحة الفكر عالم الثقافة
شكرا على المقال وموضوعه وعباراته العميقة مثل ما أكثر الناس، ولكن الإنسان بينهم قليل. وما فهمته أن الجانب الروحي لدينا جميعا ولكن لماذا لا يظهر هذا الجانب أحيانا؟