صدى الطين
إبراهيم محمد الهمداني | اليمن
(في لقاء خاص مع الموت حين كان مُتاحاً)
هيا تنفسْ.
حشرَجَ الصوتُ الرقيقُ
ومد أجنحة الغيابْ.
هيا تنفسْ.
عمَّت الفوضى
ووُزِعَت الخرائبُ
وانزوى الجسدُ الركامُ
وبالمنامِ يعوذُ
من شَرَه الغبارِ
إذا السقوطُ
أثارَ أضغانَ الردى،
في كلِّ أفقٍ
حلقتْ عيناهُ
أسرابُ الغبارِ
تثورُ في وجهِ التكسرِ
والصدى في حبله السّرِّي
يبحثُ عن فتاتِ الصوت
عن جبلٍ
يرددُ:
يا صدى
كي نحفظَ الأسرارَ
نقطعها
عن الرحم التي فيها زرعناها
وندفنُ
ما يبوحُ به السريرْ.
***
هيا تنفسْ.
غَادَرَ الأشياءَ معناها
استحم الماءُ
باللهبِ المعتقِ
تائهاً،
عند انطفاءِ الثلجِ
تنداحُ البروقُ
من الهباءِ
إلى الفراغِ
تذودُ شمسُ الحبِّ
عن حلم الندى
عن زهرة القلب
التي
ألقَتْ تفجُّعِها
بوجه الخوف
وانبجست
بحزنٍ
ملَّتْ الكلماتُ
نكهتَهُ
ترتلُ سورةَ القلقِ العقيمِ:
الشمسُ نازفةٌ
بعمقِ جراحِها
والضوءُ في أحداقِكم
لحنُ الجنائزِ
مشرعٌ للريحِ
في آذانكم
نعشٌ يرفرفُ
من بعيدٍ جاء
ممتطياً
بقايا ذكرياتٍ
حلمُها المُصفرُّ
مُتَّشِحاً
برائحة الحريقْ.
***
مبهوتةٌ ألوانُكم
بالصمتِ
بالجدرانِ
حين تشعُّ برداً
في المجامرِ
واعترافاتُ البخورِ
تشقُّ غربتَها
حنيناً،
في حكاياتِ اليتيمِ
تموَّجَ الرملُ المُذهَّبُ
وانحنى للنور
في قلب الفراشة
عازفاً:
يا من على شفتيكِ
طعم اسمي
ألذُّ من اشتهائي
دهشةً
بيديكِ تغفو راحتي
شعراً
كأولِ قُبلةٍ
تنسابُ
من عطرِ العناقِ
وبوحِ أوراقِ الندى،
جفَّ الصدى
بتأوه المهزومِ
يغرقُ
في تجاعيدِ انكسارِ الحلمِ
في غيبوبةِ الأرضِ
التي تهوي
إلى أفق بعيدٍ
حيثُ تنتحبُ النجومُ
تناثراً
وتئنُّ أوردةُ السماءِ
هنا
الشروقُ البضُّ
في قلقٍ
يفتشُ عن مغيبٍ
يترك الأحزانَ والآهات
في أعماقه
أبداً
ولكن..
لم يجد إلاَّهُ
من قلق تَسرْمَدَ
في متاهات المغيبْ.
***
تتسلقُ الضحكاتُ
أوجاعَ الغريبِ
إذا غفى،
نارُ المسافةِ
جمَّدتْ بالوهمِ
بسمتَه
أرى الحلمَ المقيد
في ملامحِه
رمى شبحَ التهكمِ
ثائراً
وأرى نداءَ الطيرِ
يحضُنُنِي
نشيداً
تشرئبُ
له المآذنُ
تحتفي
الصلواتُ
تغسلني
مواجيدُ التوحدِ،
رعشةُ الأشواقِ
تعصرني
وما كذب الفؤاد
وما أرى
هذا الصدى
الطيني
أولُــــه
عذاباتي
وآخرُه
أنا.