الطريق الوعر.. رواية قيد الكتابة {2}

محمد حسين | فلسطين – سورية

الليل يفمس ذقنه في وعاء البرد ، يسدل جدائله فوق الطرقات العابثة ببقايا طفل وامرأة أرهقتهما أرصفة النهار، يصافح نصف أيادٍ مخبأةٍ داخل أقمشة تتلوى على صفيح لسعات برد باحث عن حرارة جسدٍ ضائعٍ في منتصف الوقت . كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة ليلا بقليل عندما افترق صفاء وخالد في حى الزاهرة الدمشقي المكتظ بالسكان، نوافذ الحي مغلقة بإحكام كشفاه اقتحمها الحزن ذات نهار، وجهاهما كانا يميلان نحو الاحمرار بعض الشىء نتيجة لسعات البرد المتواصلة التى تعرضا لها خلال مسيرهم من السكن الجامعي بالمزه، وحتى وصولهما إلى هذا المكان الذي لايبعد كثيراً عن مخيم اليرموك مكان سكنها ، كان الحي لازال يضج بحركة خفيفة رغم برودة الطقس، في أقصى زاوية من الشارع بقي سوبرماركت ، يضع أمامه سلة بلاستيك مملوءة بأكياس التشيبس تبدو كأنها تصارع صفعات البرد والرياح الخفيفة لوحدها في جنبات هذا الليل ،
كز خالد على شفتيه برهة قائلاً ؛ هل أنت قادرة على العوده الى منزلك لوحدك.؟ رأت صفاء في ذلك تلميحا لها حتى تدعوه إلى الحضور إلى بيتها .
صفاء : لا تقلق عليَ.
أصبح وقع البرد يزداد في الطرقات الخالية ، عقرب ساعتها يتراجع بقفزات كل دقيقة ، الوقت بدا كأنه صخر يعاند مطرقة حديدية ، يداها لا تغادران جيبيها خشية من لسعة برد مفاجئة ، خطواتها متسارعة كمطحنة القمح ، الساعة تقترب من التاسعة قليلا عندما سمعت صفاء صوت سيارات الإطفاء تقترب منها ، كانت أصواتها تخترق هدوء شوارع المخيم توقظ بعض الناس من نومهم وتحرك آخرين من قرب مدافئهم ، بعض النوافذ فتحت وبعضها ظل مغلقا ،
صفاء ؛ يبدو ان هناك حريقاً قد نشب في الطابق الملحق لتلك البنايةالكائنة في حى صفوريه، اتوقع ان يكون سببه مدفاة الكهرباء، تبا لهذا الواقع المستبد ، “الله يستر ويحمي الجميع ” صفاء كانت تتحدث مع نفسها بصوت مرتفع كما لو كان أمامها شخص أخر ، وصلت صفاء إلى منزلها الكائن أخر شارع اليرموك ، دقت الباب بقوة كعادتها ، والدها خليل يفتح الباب تعانقه كما تفعل كل يوم عندما تغادر المنزل وتعود إليه ،
خليل ؛ لقد عرفت أنك خلف الباب من هذه الضربات المجنونه التى تلكمين وجه الباب بها سيشتكي عليك ذات يوم .
صفاء؛ تضحك بصوتها المرتفع ، أين أم سامر الأم الحنونه هل نامت باكراً ، ؟
خليل؛ أجل لقد نامت باكراً من شدة التعب الذي تعرضت له اليوم ، لقد عزلت كامل البيت لكنها لم تنس أن تضع لك طعام العشاء في المطبخ.
صفاء؛ يجب أن اطبع قبلة على جبينها هذه الأم المكافحة، سأبذل قصارى جهدي لأتخرج من الجامعة واساعدها في عمل المنزل واساعدك أيها الأب الجميل في تحمل أعباء الحياة .
سمر؛ ذات العشر سنوات جالسة في أقصى زاوية من الغرفة ترسم على دفترها بيت وحديقة أشجار وعصافير ونافورة ماء ،
صفاء؛ لماذا لم تنامي يا سموره اعطني دفترك لأرى ما ترسمين. اااه . ممتاز أنت لديك مستقبل كبير في الرسم .
سمر ؛ متى سيصبح لدينا بيت مثل هذا ،
صفاء ؛ الله كريم
سمر ؛ لكن يا صفاء طلبت من أمي علبة ألوان لكنها لم تشترها لي لأنها لا تملك النقود .
صفاء ؛ انا ساجلبها لك غداً هذا وعد أخلدي إلى النوم حتى تستيقظي صباحاً على مدرستك.
سمر ؛ شكرا لك يا أحلى صفاء.
تنزع صفاء ملابسها تضعها بدون ترتيب تحضر اسطوانة الموسيقى (مونامور ) تضعها على الجهاز القديم جداً الذي تعشقه كثيراً رغم وجود أجهزة حديثه أخرى في المنزل ما سر هذا الجهاز الذي جلبته ذات مساء معها، تشغل الجهاز تصدح صوت الموسيقى الهادئة تسرح عميقاً ، ترى ماذا يخبئ لنا غداً…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى