علبة الكبريت.. قصة قصيرة

محمد حسين | كاتب فلسطيني – دمشق

الصباحاتُ التي منحته قهقهاتٍ في طفولته تحولتْ إلى كراتٍ من الدم ، لم يعرفِ الفرقَ بيها وبين لون السماء إلا عندما صفعته بسياطِ وجعها ، فمضى يبحثُ بين أشلائها عن علبةِ الكبريت، لعبتِه المفضلة منذ طفولته، كان مغرماً بحرقِ الأشياء البالية، لكنه لم يعرف من أين يبدأ ، عندما كبر عمرُه عرفَ كل شيء لكن الحياةَ قطعت أصابعَ يدِه اليسرى ذات نهار،
استمرَ الشقيُ بلعبةِ الكبريتِ، نظرَ يمنةُ ويسرةً فشاهد خطاً من الصبارِ يحيطُ بوردةٍ فحرقَه ، هكذا قالَ عندما داهمهُ النعاسُ وهو يحملُ أكياساً من الوجعِ على شكل وطن، كانتْ في الضفةِ الأخرى تكتبُ على دفترها روايةَ ألمٍ بلونِ الصمت وتمشي في شوارعِ المدينةِ المثقلةِ بالدخان ، لم تكن تعرفٌ الاتجاهاتِ جيداً لكنها كانت على موعدٍ مع هذا الشابِ صاحبِ لعبةِ الكبريت ، التقيا صدفةً في أحد الدوائر الرسمية ، كان يفتشُ عن قيدهِ الضائعِ في دوامةِ الضياع ، كانت تبحثٌ عن اسمٍ غيرَ اسمها، يخلصُها من اتهاماتِ الطرابيشِ المزيفة ، فمريم وفاطمة وعائشة وسارة هي أسماء ذات معانٍ مختلفة ، جلسا على مقعدٍ محفورٍ بالأسماءِ والكتاباتِ المتداخلة. كان كل شخص يحضر إلى ههنا يكتبُ سطراً من وجعِ الحياة ويمضي ،
أنا فاطمة اسمي القديم بدلتهُ، أصبحَ الآنَ مرفت خوفاً من صاحبِ الطربوشِ الأحمر ، أحملُ بين أضلعي حكايات تهشمُ قبضةً البحر ، تشقُ صدرً الحجرِ ، تعزفٌ موسيقى للدمِ ، أحلمٌ بالهروبِ إلى عالمٍ يمنحني جرعةَ اوكسجين فقط ،
أنا لا أعرفُ اسمي فلدي أسماءَ كثيرة ولا يهمني،
أبحثُ عن وطنٍ بطعمِ تفاحة، أحمل أكياساً تكادُ تكسر ظهري، لكنني مسكونٌ بالرغبات. اااه..الرغبات كثيرةٌ لكن الواقعَ أغلقَ فمي بالتراب.
مرفت :
_ تعال اهرب معي نحوَ فضاءاتٍ خاليةٍ من غبارِ الفضائلِ المزيفة..
_لا لا… أريدٌ أن أتابعَ لعبةَ الكبريتِ، لأحرقً لعبَ أدعياءِ الأشياء..
مرفت: _ لقد فقدتَ أصابعَ يدكَ اليسرى في هذه اللعبة وستفقدُ أصابع يدِكَ اليمنى..
لا لا… حدثني ظلي أن أوراقَ الخريفِ الزائدةِ ستشتعلُ وأن رشقاتَ المطرِ قادمةٌ..
سنلتقي، ونضبطُ إيقاعَ أجسادِنا على لونِ النبيذ…
فرصة سعيدة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى