مقطع من رواية ’’ الطريق الوعر ’’ قيد الطبع (2)
محمد حسين | كاتب فلسطيني- دمشق
كانت شوارعُ المدينة تُطعمُ عظامها للضوءِ، تشبههُ عند اقترابِ لهاثِها من تفاصيله، تصنع له وجبات دفءٍ ليغادرَ نورَه الخافت منذ زمنٍ بعيد، عشقها لكنه يخشى المسيرَ فوقَ أرصفتِها.
الفجرُ يدنو للخروجِ من عباءةِ الّليل، نوافذُ “شارعِ النجاحِ “المتَّصلِ مع “شارع رفيديا “في مدينة نابلس مغلقة إلا نافذة واحدة كانت تُزاحم ذيلَ النهارِ المبللِ بالولادة الصّارخة، الشارع الذي تتربع عليه جامعة النجاح الوطنية يصفّق بيديه للريح
أبو علي يخترقُ هذا الشّارع بسيارته متوجّهاً نحو ضوءَ النافذةِ بهدوء، يركن سيارته على جهتها المقابلة يقطع الشّارع العريض مشياً على الأقدام، يصعدُ درجَ البنايةِ بخفة حتّى لا يثير جلبةً لقاطنيها، يخدشُ باب الشّقة كريحٍ تُسامرُ ورقةً قذفها عاشقٌ في طريقِ حبيبته.
يفتحُ لؤي الباب.
أبو عليّ: صباح الخير
لؤي: صباح النور…
أبو عليّ: خالد ابنك يهديك السّلام لقد سهرنا مع بعض الّليلة الماضية…
لؤي: كم أنا مشتاقٌ لرؤيته…
خالدة: لماذا تأخّرت يا أبي علي؟ لم يبقَ كثيراً من الوقت نريدُ الذّهاب إلى منزل ربحي في (شارع هواش).
أبو عليّ: لقد سرقني هدوء الشّارع، وتذكّرتُ أيّام دراستي في “جامعة النجاح” قبل أن تنتقل إلى أطرافِ المدينة…
خالدة: لا تذكّرني بهذه الأيام الجميلة عندما كنت أدرس في هذه الجّامعة كانت ساحةٌ للنضال الوطني على مدار عمرها الّذي يمتدُّ نحو سبعينَ سنةٍ…
لؤي: لقد انبلجَ النّهارُ علينا المغادرة…
أبو علي: لم ألحظ أيَّ حركة للشّباب الملثّمين بالشوارع…
خالدة: هذه شوارعٌ واسعة ومكشوفة لايستطيع الشّبان التّواجد فيها لأنّهم سيكونون هدفاً سهلاً…
لؤي: الخروجُ الآن مخاطرةٌ يا أبا عليّ علينا تأجيله حتّى حلول الّليل…
خالدة: أنا مع رأي لؤي…
أبو عليّ: سأذهب الآن وأحضر عند المساء…
خالدة: أخشى أن تكون مراقباً وتكشف موقعنا…
أبو عليّ: لا أعتقد ذلك…
يغادر أبو علي، يشغل سيارته وينطلق بسرعة، بعد مغادرته بساعة ينطلق صوت اشتباكات بين الشبان (وقوة إسرائيلية) مداهمة تقتحم المنزل الّذي كانت تقيمُ به خالدة ولؤي وتعتقلُهم، وسرعان ما ينتشر الخبر في أرجاء المدينة.
ربحي: لقد ارتكبت يا أبو علي خطأً فادحاً…
يغادر ربحي المنزل متوجّهاً إلى شقّةِ خالد، يدقّ ثلاثة دقات متتالية. يفتح ماهر الباب.
ماهر: أهلاً وسهلاً يا ربحي.
ربحي: أين خالد؟
ماهر: لازال نائماً…
ربحي: دعه يستيقظ بسرعة…
ماهر: ماذا حصل؟
ربحي: عليكم المغادرة فوراً لقد تم اعتقال خالدة ولؤي منذ ساعة…
خالد يقفز من سريره كأنه تعرض للدغة أفعى… يصرخ: ماذا تقول؟ والدي وخالدة…
ربحي: أجل… عليكم الخروج إلى الشّقة البديلة حالاً…في (شارع كروم عاشور)
خالد: تباً لهم سيدفعون ثمناً باهضاً اليوم…
ربحي: اهدأ لا نريد أخطاءً أخرى، سأتواصل مع الجميع لتصعيد المواجهة مع الاحتلال حتّى لايمر اعتقال خالدة مرورَ الكرام، نحنُ نعملُ من أجل وطن.