شاهد واستمع الشاعر الكبير عيسى حسن الياسري في أمسية لنادي وتريات قصيدة النثر
أدارها الشاعران: عبد الرزّاق الربيعي، و أحمد رافع
متابعة: اللجنة التحضيرية لجلسة المناقشة
أبكي لأني حصلت وأنا أقف ُ على تلة ِ الثمانين َ على هذه المكافأة التي لا ترقى إليها أكثر قصائد الشعر جمالا”
قال الشاعر الكبير عيسى حسن الياسري” في لحظتي هذي أنا أعيش الحياة،أعود الى طفولتي، لا تستغربوا إن بكيت , انا ابكي دائما.. في طفولتي كنت ُ أبكي لأحصل على اشياء ٍ جميلة ٍ , مثلا ً أريد أن أحصل على قطعة حلوى , أن أحصل على لعبة مصنوعة من طين الضفاف , أريد أن تحكي لي جدتي قصة قبل النوم , وعندما لا احصل على هذه الأشياء ابكي , كما أنني أبكي عندما تصدم قدمي احجار الحقل ِ فتنزف دما , اما في لحظتي هذي فانا ابكي لأني حصلت وأنا أقف ُ على تلة ِ الثمانين َ من َ العمرِ على هذه المكافأة التي لا ترقى اليها أكثر قصائد الشعر ِ جمالا”
جاء ذلك في أمسية حوارية أقامها نادي وتريات قصيدة النثر بالاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، عبر منصّة الفنر العمانية للعلم والمعرفة وذلك بمناسبة بلوغه الثمانين، و ترجمة أعماله الى لغات عالمية، وصدور أعماله الشعرية الكاملة حملت عنوان “طائر الجنوب ..الشاعر الكبير عيسى حسن الياسري” بمشاركة: د.عبد الواحد محمد، د. صالح جواد طعمة، د. خزعل الماجدي د.محمد ميلود الغرافي، الشاعر الفرنسي لويس بيرتولوم، د.عبد الهادي سعدون، المترجمة الاسبانية نويمي فيّرو، المترجمة منية بو ليلة
وأضاف الياسري” كل ما كتبته من أول قصيدة وانا في سن في الثامنة من عمري يدور حول تجربتي مع المرأة وقريتي. كانت أول قصيدة كتبتها عندما وقفت على اطلال كوخ كان يسكنه فلاح , كانت لديه طفلة صغيرة بمثل عمري, كانت جميلة وكنت ُ أحبها , كانت ْ أمي قد اخذتني في سفرة ٍ الى قرية السنية , هذه ِ القرية تعرفها صديقتي ” نويمي فيرو ” التي ترجمت رواية ” أيام قرية المحسنة ” إلى اللغة ِ الاسبانية , فهي تعرف ” قرية السنية ” التي هي توأم ” قرية المحسنة ” كان يسكن في قرية السنية اخوالي.. كانت عودتنا في زورق ظل َّيسير بنا طول الليل , مع اشراقة الصباح وصلنا قريتنا , وجدت كوخ ذاك الفلاح ُ مهجورا , ولما سالت قالوا ان هذا الفلاح ارتحل الى قرية أخرى.. بقيت عدة أيام اجلس على عتبة ذلك الكوخ وابكي تلك الصبية الصغيرة , تلك الصبية ُ الصغيرة ُ ظلت تتوالد , ففي كل ِّ مرحلة ٍ من ْ عمري تحضر ُ امرأة ٌ ومعها تحضر ُ قصيدتي , القصيدة التي لم انجزها حتى وانا أقف على عتبة الثمانين. اليوم انا اعود الى طفولتي , اليوم أعود ُ إلى سنتي الثامنة من العمر, فكيف لا ابكي , أبكي لأنني أحاط ُ بكل ِّ هذا الحب ِّ الذي لا يحتمل ْ,أحاط بهذا المحفل ِ المبارك من أقطاب الابداع أساتذة ً واستاذات ٍ عكفوا جميعا ً على متابعتي نقديا , أو ترجمتي لأشهر لغات العالم ,وكيف لا ابكي وأنا أجلس ُ في حضرة ِ قطبين من اقطاب الابداع الفذ وهما الأستاذ الناقد ” د. حاتم الصكر ” والأستاذ الشاعر والباحث الكبير ” د. خزعل الماجدي ” , فقد تحدثا عني كما لو كانا يرتلان صلاة مبتلة بالدموع , ومن خلال حزنهما كنت أرى كم هو هائل حزن جبل ” سنوات العراق كلها ” .
خزعل الماجدي الجميل الحنون , الذي جند نفسه , وبكل أثقال حزنه وعمله الإبداعي من أجل انجاز الجزأين لأول والثاني وفي مجلد واحد من اعمالي الشعرية , قلت له .. أنا لا اعرف كيف اتعامل مع دور النشر , واعلم أنك َ مشغول بأبحاثك َ وقصائدك َ وحزنك َ الذي يهد جبلا , قال .. كل هذا يهون , المهم أن تصدر الاعمال , وتابعها حتى صدور اول نسخة منها , كان يتابع المطبعة , ويصحح البروفات , حتى ان العمال أرسلوا جدول التصحيحات باسم الشاعر خزعل الماجدي , ظنا منهم ان الكتاب كتابه ُ. وهو كتابه فعلا .. فلولاه ما ظهر الى النور”
وأشار الياسري “قبل صدور الاعمال الشعرية بكثير .. وتحديدا في العام 2006 , كنت ُ وقتها أزور بلدي العراق , عندما عرف الكبير خزعل الماجدي أنني موجود اتصل بي هاتفيا , ولا أدري من أين حصل على رقم هاتفي , غمرني بتحياته عبر الهاتف , اخبرني أنه يقوم بأعداد برنامج ثقافي .. لا أتذكر اسمه .. لقناة الشرقية , ويريد أن يسجل حلقة معي , قلت له .. ارسل لي سيارة .. قال .. وكيف اطمئن عليك وكل شبر في بغداد مقمط بحزام ناسف , أو سيارة مفخخة .. فكم عيسى حسن الياسري عندنا في العراق ؟ , قلت .. وكم شاعر كبير عندنا في العراق كما هو خزعل الماجدي ؟ . كم توسلت بك الا تأتي يا أبا مروان .. ولكنك رفضت , أقسم أنني أغلقت الهاتف وبكيت ْ . كان يعرض نفسه للخطر ولا يفرط بي .. يا لك من خجولة أيتها الدموع وأنت تقفين أمام دموع الكبير خزعل الماجدي!!.
في العام 1992 , وفي الثاني عشر من أيار , هذا التاريخ المحفور في ذاكرة الأيام المرة , جلست في مكان شبيه بالموت او هو الموت بعينه , كنت فصلت من عملي كسكرتير لتحرير ” لمجلة أسفار ” التي تعنى بالأدب والفن , فاضطررت إلى الجلوس أمام ” محكمة بداءة الاعظمية ” لأعمل كاتب عرائض , بعد أن شدد الحصار قبضته على كل العراقيين وأنا من بينهم .كنت ُ أقف ُ بين اختيارين , أما أن أسلك طريق ” شعراء المديح ” أو أن أجلس في هذا المكان المخيف لاحمي كلمتي من الانحناء , واجعل ابنائي يكملون دراساتهم العليا , واخترت ذلك المكان الشبيه بالكابوس , كنت ُ أقف ُ عند حافة ِ اليأس , وعلى وشك الانحدار ِ الى قيعان ِ هاويتة السحيقة ِ .
كان ” شتاء المراعي ” في مطابع دار الشؤون الثقافية العامة , والذي يأتي بعد عشر سنوات من الصمت , هذا الصمت ُ الذي بدأ منذ ان غادرت ” معتقل َ التسفيرات الرهيب ” كان هذا في عام 1982، ويصدر ” شتاء المراعي ” عن دار الشؤون الثقافية , ويساعدني صديق على توصيل نسخي إلى البيت , ولم اعره اهتماما , ولم اتصفحه حتى , لأن المكان الذي اجلس فيه لا يسمح لي أن اهتم بحدث كهذا، وذات يوم ,, وأنا في طريق عودتي الى البيت وقفت أمام احد الاكشاك لبيع الصحف , وعلى اللاتعيين امتدت يدي لا تناول ” جريدة القادسية ” , وفي السيارة افتح صفحتها الثقافية , فاحس بيد أبوية حنونة ومبدعة تمسك بي , حيث ترفعني من هوة اليأس الى قمة الامل , كانت تلك اليد الابوية هي يد الأستاذ الكبير وناقد العراق الكبير والانسان الكبير والصديق الكبير ” حاتم الصكر ” , وبدهشة طفل تقدم له هدية جميلة , هكذا كنت مندهشا أمام ما قرأت .. كان موضوع مقالة ناقدنا عرّاب الشعر العراقي ” حاتم الصكر ” هكذا : “عيسى حسن الياسري والشعر الرعوي الحديث ” وأنا اقرأ كانت تستولي عليّ حالة من الذهول , وكنت أتساءل .. هل حقا .. وبعد جدب يستمر عشر سنوات تهطل علي فجأة كل هذه الأمطار الغزيرة ؟وفي نهاية مقالته الانقاذية , يمنحني الأب الروحي لشعرنا العراقي ” حاتم الصكر ” ريادة الشعر الرعوي الحديث , وقتها احسستني انهض مرة ثانية , واغادر عالمي السفلي , وأنا احتفي بمكاني الذي كان مخيفا , حيث عقد ” حاتم الصكر ” بيني وبين هذا المكان تلك الالفة التي منحتني قوة الاستمرار ومواصلة العمل مهما كانت قسوة المكان .
لكن الأهم من هذا , والذي يجب ان اتحدث عنه هو .. ما الذي حصل بعد احتفاء الكبير ” حاتم الصكر ” بشتاء المراعي ؟ .. أقول بصراحة .. أن جميع كتبي التي سبقته لم تحظ ولو بقسط صغير من الاحتفاء الذي حصل عليه ” شتاء المراعي ” , حيث كتبت عنه مقالات عديدة , وصار اسمي يقترن به كلما تحدث معي المحبون من الأصدقاء , كما اقترن اسم السياب العظيم بديوانه ” انشودة المطر ” وكما اقترن اسم عزرا باوند بعمله الشهير ” أناشيد الكانتوس ” , أو اقتران اسم نيرودا بعمله ” النشيد الشامل ” , والشاعر الفرنسية بقصيدته الشهيرة ” رمية رند ” وكما اشتهر لوركا بديوانه ” أغاني غجرية ” . هكذا فعل هذا الناقد الفذ ” حاتم الصكر ” عندما سبق الجميع بالتبشير بولادة ” شتاء المراعي ” ولفت الأنظار إليه . .. حتى أن الفنان العراقي المتألق ” موفق أحمد ” حول قصائد الديوان إلى لوحات فنية أقام منها اكثر من معرض تجول به ما بين عُمان واليمن والإمارات ولندن .
حاتم الصكر .. يا قمة من الابداع والحزن المخيف .. أهذا هو ما يخلدونك به أنت والكبير خزعل الماجدي ؟ فبدلا من أن يقام لكل منكما تمثالا .. ويسمى باسمكما شارعا من شوارع بغداد المنكوبة , تكافئان بغياب فلذتي قلبيكما ؟ .. لا بأس أيها الكبيران لا بأس , فأنتما تظلان ترتحلان مع العراق من فجر تاريخه وإلى الأبد، وتحضر مونتريال المكان الجديد الذي عشت فيه أكثر من عشرين عاما من العزلة والانكسار , حتى حضور ” عبد الهادي السعدون ” الشبيه بحضور المخلص .. لم أره في العراق .. لا وانا اعمل رئيسا للقسم الثقافي في الإذاعة .. ولا وانا اعمل رئيسا للقسم الأدبي في جريدة العراق , ولا أثناء عملي رئيسا للقسم الثقافي في مجلة الف باء , ولا عندما كنت اعمل سكرتيرا لتحرير ” مجلة أسفار ” , لم التق هذه العلامة الكبيرة ” عبد الهادي السعدون ” , كنت اعرفه من خلال قراءتي له وحسب ُ , فأنا لم ابشر به كما فعلت مع الكثير من ابنائي الشباب , لم اكتب عن اصدار ابداعي له مثلما كتبت عن كثيرين .. وتشاء الصدف البالغة الجمال أن يدعي الى مهرجان الشعر العالمي الفرنسي الذي لا أعرف عنه شيئا , بالرغم من أنه يقام سنويا في مدينة تبعد ساعة ونصف الساعة عن مدينة مونتريال ,اخبرني هاتفيا أنه يريد أن يلتقيني , وكان فرحي لا ضفاف له , لكنه اتصل بي ليقول إن وقته لا يسمح له باللقاء , ويكون مطار مونتريال هو مكان لقائنا القصير . لم يستمر هذا اللقاء الا ساعة واحدة , ونحن نجلس في احد مقاهي المطار اخبرني أنه رشحني للمشاركة في المهرجان .. قلت له هذا المهرجان لا يشارك فيه الا من يكتب باللغة الفرنسية او من ترجم للفرنسية , قال .. اترك الامر لي وبعد أيام اتصل واقام ذلك الجسر الرائع ما بيني وما بين الأستاذة الشاعرة والمترجمة ” منية بو ليلة ” , حيث تونس الخضراء , التي زرعت خضرتها في كل قصائدي , لأنها كانت تعيش قصائد مجموعة ” أغاني الغروب ” وكأنها هي من كتبتها , ” منية بو ليلة ” شكرا لك صديقتي , وشكرا لك وأنت تضيئين بحضورك هذه الجلسة الجميلة . ولم يتوقف الكبير “عبد الهادي سعدون ” عند هذا الحد , اذ أقام جسرا اخر ربطني برئيس مهرجان الشعر الفرنسي العالمي الشاعر ” غاستون بالمير ” الذي ربطني بالشاعر المغربي العذب ” محمد ميلود الغرافي ” الذي عكف على ترجمة مجموعتي الشعرية ” امضي وحيدا ” , هذا الترجمة .. ولقوة بنائها الفني والنفاد إلى روح النص حملت الشاعر الفرنسي ” لويس بورتولوم ” الذي راجعها على كتابة مقدمة مذهلة عنها .
هل توقف الكبير ” عبد الهادي سعدون ” عند هذا الحد ؟ لقد ذهب أبعد منه كثيرا , حيث شجع المستعرب الاسباني ” اغناثيو غوتريث ” على ترجمة قصيدة ” صلاة بدائية من أجل اوروك ” ونشرها في دار ” الفلفا ” التي يشرف عليها على حسابه , كما نشر المختارات الشعرية التي تحمل عنوان ” كاتدرائية بغداد ” التي شارك في ترجمتها كل من حسن عيسى الياسري والاديبة المغربية فوزية القادري والمترجمة العراقية ليلى فاضل , وصدرت عن دار ” اوليفانته ” في مدريد، وتستمر رحلة الشاعر والروائي ” عبد الهادي سعدون ” معي دون شعور بالتعب , حيث تحضر رواية ” أيام قرية المحسنة ” , ويبدأ يبحث لها عن فلاحة تشارك فلاحات المحسنة حراثة وري الحقول , وحلب الابقار , وجمع الحطب , وتتولى المستعربة الاسبانية ” نويمي فيبرو ” هذه المهمة الشاقة , أيتها الأستاذة والاديبة والصديقة العزيزة ” نويمي فيرو ” شكرا لك وانت تنهضين بترجمة الرواية وتضيئين هذه الجلسة المعمدة بالبهجة والفرح .
عندما استكملت ترجمة قصيدة ” صلاة بدائية ” نشرها ” عبد الهادي سعدون ” في موقع ثقافي اسباني مهم بنصيها العربي والاسباني , وذات يوم يصلني طلب صداقة على صفحتي في الفيس قبل اغلاقها , كان الطلب باسم الشاعر العراقي الأستاذ ” غريب إسكندر ” الذي لم التقِه في العراق أيضا , وبعد قبول طلبه تصلني رسالة منه يطلب مني ان اسمح له بترجمة ” صلاة بدائية ” إلى اللغة الإنكليزية ونشرها , وطبعا احتفيت بكرمه النادر هذا , وفعلا اتم ترجمة القصيدة , ونشرها في موقع مهم في لندن .. أستاذ ” غريب إسكندر ” انت لم تحضر الجلسة ولكنك كنت حاضرا بقوة في موقفك وابداعك .
كم من المغريات قدمت لي , مغريات يسيل لها لعاب كثيرين ولكنني رفضتها , لأنها تسرق مني اثمن ما امتلكه , تسرق مني قصيدتي , في العام 1975 كنت منسبا للعمل رئيسا للقسم الثقافي في الإذاعة , رشحني صديقي مدير عام المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون ” لطيف نصيف جاسم ” للسفر إلى المانيا الشرقية للمشاركة في مهرجان الشاعر الألماني ” غوته ” , بعد عودتي شارك هو في مؤتمر اعلامي في المانيا الشرقية , بعد عودته استدعاني الى مكتبه واخبرني انه رشحني للسلك الدبلوماسي ورفضت , وللتأكد يمكن ان يذهب صحفي شجاع إلى السجن الذي يقيم فيه هذا الانسان الذي لا يستحق السجن , ويسأله إن كان هذا الامر صحيحا أم لا ؟, لقد قُدم لي السلك الدبلوماسي على طبق من ذهب واعتذرت , وقد نشرت فصلا من مذكراتي في موقع ” الناقد العراقي ” الذي يديره ناقدنا الراحل ” د. حسين سرمك حسن ” تحت عنوان ” بابلو نيردوا وأنا والسلك الدبلوماسي ” , قال لي الصديق ” لطيف نصيف جاسم ” أتدري لو عرضت هذا الامر على اخر ما الذي يفعل ؟ قلت اعرف ولا اريد قوله لأنه مذل ومخجل .
السلك الدبلوماسي بالنسبة لي اساتذتي هو قصيدتي .. انا فلاح يعمل في حرث حقول القصيدة , مثلما كنت فلاحا احرث حقول القمح والشعير ولا اجيد غير ذلك . بعد انتهاء تنسيبي تركت العمل في الإذاعة وعدت الى مدرستي وتلاميذي الذين احبهم .
وتساءل الياسري: لو أنني اخترت السلك الدبلوماسي هل أعيش هذه اللحظة السحرية التي لا يحظى بها كل منتسبي السلك الدبلوماسي في العالم ؟, وهل اقف بخشوع امام محفلكم المقدس اساتذتي واصدقائي لو قبلته ؟وبعد هذا اعتقد أن الشاعر الجميل عبد الرزاق الربيعي كان حاضرا ” مهرجان الشعر القومي ” الذي حضره ” صدام حسين ” والذي أقيم بتاريخ 16- 7 – 1980 , الأستاذ الكبير د. خزعل الماجدي كان حاضرا وشاهدا على ما أقول , كان كل شاعر وبعد ان ينتهي من القاء قصيدته يذهب للسلام عليه , كان ينهض ويصافح الشعراء الذين يمتدحونه بقصائدهم , وكذلك ينهض للشعراء العرب , أما الشعراء الشباب الذين يقرأون قصائد ذاتية فيصافحهم وهو جالس , لذا وعندما انتهيت انا من قصيدتي لم أذهب للسلام عليه , وبعد أن انتهت الأمسية التي امتدت حتى الثالثة صباحا اجتمعنا على مائدة الطعام , وجاء هو للسلام علي , ظل يتحدث معي ما يقرب من الربع ساعة , ثم سألني عما احتاجه , كنت وقتها بلا بيت بلا مورد مالي غير راتبي , وكان يمكن ان تتغير حالتي لو ذكرت له ذلك , ولكنني قلت له .. انا لست بحاجة لشيء، وها انتم ترونني هذه اللحظة التي احسبني فيها واحدا من ملوك العالم القدامى , لأنني محاط بكل هذا الحب من اساتذتي وصديقاتي واصدقائي . ما اتمناه هو انني أستحق هذا العناء الذي بذله الشاعر عبد الرزاق الربيعي والشاعر احمد رافع , انا متأكد انهما لم يبذلا في كل جلساتهم السابقة من تعب مثلما بذلوا ليأسسوا لهذه الجلسة .. انا سعيد بكم حتى اقاصي حدود البكاء .” اغناثيو غوتريث ” صديقي .. انت لم تستطع حضور الجلسة ولكنك كنت َ حاضرا ً معنا .. هذا الرجل ” اغناثيو ” الذي لا اعرف كيف اصفه .. جاء من اسبانيا على حسابة الخاص ليراني , كان يشاركنا رغيفنا وطعامنا البسيط , ويجلس معنا بكل بساطته وتواضعه هو الشاعر والأستاذ الاكاديمي , وكان يخرج مع احفادي , ويصغي إلى احاديثهم كما لو كانوا ندا له , وعندما يعود إلى اسبانيا يعكف على ترجمة شعري بفرح , وهو يعلم انني لا استطيع ان اقدم له شيئا ,
” عبد الهادي سعدون ” اخي .. شكرا لك أيها المعماري الماهر في تشييد جسور المحبة .
لقد اخلصت لطريقي هذا .. اخلصت لعزلتي الجميلة , فلا احد يرفع علي الهاتف , ولا احد يعرف ان كنت ُ أعيش في مونتريال أم غادرتها .. لقد اخلصت حتى لثلوج كيبيك التي تحذرني من مغادرة بيتي , ومن ثم هذه هي ” كورونا ” التي فرضت ظلها المعتم على حياتنا , ومع ذلك يأتي هذا الاحتفاء الذي يحسدني عليه اكبر قياصرة العالم .. انا الان انهض من جديد من مغارة السيد المسيح واقابل الحياة بمحبتكم . ومن هنا اوصي اولادي الشباب .. عليكم بقصيدتكم يا ابنائي , لتكن هي الايدولوجيا التي تصنع الحياة , وهي الدين الذي ينشر المحبة بعد أن زوره أعداء المحبة , وهي المذهب الذي يعانق المختلف , بعد أن صار كل مذهب يحز عنق من يخالفه , لقد خربوا كل شيء , وهاهم يستهدفون قصيدتكم يا ابنائي , , ليست هناك شعر يولد من رحم المؤسسات , انتم بالنسبة لها صوت انتخابي لا غير , قصيدتكم هي كل شيء في الحياة فاخلصوا لها والا ضاعت ْ . الانسان هو مركز هذا العالم آمنوا بالإنسان , واجعلوا من الشعر يفتح له اكثر من نافذة ليرى جمال الحياة . الانسان مجروح فساعدوه على تضميد جراحه ” في كل مكان اصله .. اجدك مجروحا يا هذا الانسان ” . ..
عندما أقيم حفل توقيع كتاب ” أغاني الغروب ” المترجم للفرنسية في مكتبة اوليفيري حضر صديقي الشاعر الكيبكي :
Alain Vallee
واقتنى الكتاب .. وبعد يومين التقيته وانا في طريقي الى المكتبة العامة .. استوقفني واخرج
الكتاب من حقيبته , كان يحدثني بالاشارات لا نه يعرف انني لا اجيد الفرنسية , وهو لا يعرف شيئا من الإنكليزية التي لدي شيء بسيط منها ,, قال انه لم ينم ليلته حتى انهى قراءة الكتاب .. ثم سحب يدي محاولا ً تقبيلها وقد حررتها منه بالقوة , كان يبكي , أقسم أنه كان يبكي , في تلك الساعة تذكرت سلام كاظم ذا العينين الشجريتين , تذكرت جواد الحطاب , تذكرت احمد هاتف , تذكرت عبد الرزاق الربيعي وعدنان الصائغ وجميع اولادي الذين كانوا عندما يلتقون بي اسحب يدي منهم بالقوة , كانت قصائد كتابي الشعري المترجم وكما في كل ما كتبت تتحدث عن محنة وازمة الانسان العراقي , تتحدث عن محنة أهلنا المنكوبين بحكامهم , ولكن هذا الشاعر , وحتى غيره ممن التقيت بهم وقرأوني مترجما كانوا يرون في القصائد انها تتحدث عن محنة الانسان في كل مكان , فلكم أنت عظيم أيها الشعر , لأنك توحد الانسان مع أخيه الانسان بعيدا عن الايديولوجيا المسيسة والدين المسيس والمذاهب المسيسة , صلوا في محراب قصيدتكم يا ابنائي الشباب”
وكانت الأمسية قد بدأت بكلمة للشاعر عبدالرزاق افتتح بها الجلسة الأولى تحدث من خلالها عن المكانة التي يحتلها الياسري في ذاكرته فقال” مع بداية تفتح وعينا في مطلع السبعينيات , كان صوت الشاعر عيسى حسن الياسري يشدنا إليه من بين جوقة الأصوات الستينية لتلقائيته , وعفويته , ولأن الشاعر يعزف على وتر حساس في ذواتنا هو وتر الجنوب , اجمل الأوتار ,و أكثرها دفئا ,وعذابا بالنسبة لنا نحن الجنوبيين الذين وجدنا أنفسنا مقذوفين على هامش المدينة كنتيجة لاضخم هجرة من الريف العراقي الجنوبي إلى بغداد أواخر الخمسينيات , وظلت المدينة بشوارعها المرصوفة بالإسفلت والقير الذي تذيبه حرارة تموز لدرجة ان المركبات كانت تبرك في بقع القير الذائب , ظلت تشكل عذابا لكل من عاش في البيئة الريفية , وكنا نغلق أعيننا في المساءات الباردة على حكايات الأباء والأمهات عن الاهوار بطيورها ونباتاتها ومياهها الغزيرة لكننا نفتح أعيننا على واقع المدينة الصلد وحيطانها الأسمنتية الصامتة !!! ومن هنا بدأت عذاباتنا , ووجدنا في شعر عيسى حسن الياسري دفأ أهلنا ,وعذوبة مياه اهوارنا , وغناء طيورها ,خصوصا في مجموعتيه ( فصول من رحلة طائر الجنوب ) و ( سماء جنوبية ) اللتين عكستا صوته المتفرد الذي كان يشدنا إليه”
وجاء دور الأستاذ الدكتور عبد الواحد محمد
الذي تربطه علاقة قديمة بالياسري فقدّم نبذة موجزة عن الشاعر وشعره و العلاقة الانسانية التي تجمعهما، المتطورة عبر الاتصالات واللقاءات و الرسائل، وتحدث الأستاذ الدكتور صالح جواد الطعمة عن ترجمته لنصوص الياسري وابرزها قصيدته” كاتدرائية بغداد”
و ترجماته للشاعر وكتابته عنه في مجلة الجديد
وركز الشاعر المغربي محمد ميلود الغرافي في مداخلته على الترجمة والحاجة إلى ترجمة شعر الياسري ودورها في تقريب الشعر العربي المعاصر من المتلقي الغربي، وقام بترجمة حديث الشاعر الفرنسي لويس بيرتولوم الذي تحدّث عن مراجعته القصائد التي ظهرت في كتاب (أمضي وحيدا) الذي صدر حديثا وعبّر عن إعجابه بالقصائد لذا كتب مقدمة جميلة للكتاب ظهرت ترجمتها كمقدمة الأعمال الشعرية المجلد الثالث بعنوان نشيد الاوز العراقي وايضا نشر ملف خاص من سبع صفحات عن الوالد في مجلة الروح المتمردة التي تصدر مرة واحدة في السنة.
ثم بدأت الجلسة الثانية التي أدارها الشاعر أحمد رافع وبدأها بكلمة عن شعر الياسري فأكد الرافع يخبرنا الياسري عبر أكثر من أربعة عقود أن القرية ملاصقة الى براءة القصيدة وريعان طفولتها وهي دلالات تشي عن تمسك النص بجماليات الطبيعة إذ يستثمرها لتحريك صوره الشعرية ولم يتخل بالمطلق عن النهوض الأول لأغنيته في الحياة وهو يعد أسباب الغربة نجوم متكسرة ” وأضاف الشاعر رافع أن تأثيث الياسري معماره الشعري فنيا وموضوعيا جاء بعد مواصلة طويلة مع المدارس الشعرية والإتجاهات النقدية المختلفة وهذا الإلمام الواسع لكل مجريات بحثه سواء في وطنه أو في الغربة قد منحه الصوت المميز في التعامل مع القصيدة بحرية وإرتكاز على مضنيات الحياة فهي أعطت له في المنفى الكثير وأعطى لها في الوطن القيد لم يتجه نحو ما سار عليه الآخرون وهذه تجذير علاقة حميمية بين قريته والدروب التي هالت عليه الأذى والاغتراب بحد ذاته قضية منهجية تترتب نتيجة الممانعة وشيوع العبودية وهذا ما ترفضه حرية الكلمة”
وفيما يخص المكان أكد أحمد رافع أن اللحظة المكانية الأولى التي انطبعت في مخيلة الشاعر وقريته الحالمة كانت مبعث لتحول أجرته الطبيعة عبر سنين طويلة وهو يعتمد على مشاهدة العناصر المادية للقرية في وقتٍ سابق فالصوت المنبعث في طبيعة مدينته ميسان ونهر دجلة يختلف عما هو عليه في مدينته مونتريال فالتحول مدعاة في جو القصيدة والياسري يدرك تحول رغبوية الحياة والماء المغنى بقصب الجنوب وأن قصيدته تمثل مشاهد تغيير الطبيعة وتنقل لنا التحول المكاني إذ يخبرنا فعل الماء المتغير بجريان النص في تدفقه من ينابيع دجلوية وينتهي تدفقه إلى ينابيع الغربة في الحقيقة هذا الجريان الطويل يحمل في تفسيره أن الشاعر يتقن الصورة الشعرية في تكييفها الإبداعي وفق المتغييرات التي تنشأ حوله”
وفيما يخص المرأة وحضورها في القصيدة أكد الرافع “مما لا شك أن حضور الأنثى في تجربته كانت منذ بداياته الأولى الشعرية وهو يتغنى بأحدى فتيات القرية سيما أن المرأة يعدها نهرا لإستمرارية الحياة”
وأكمل الرافع حديثه “لذا شكلت المرأة هاجسا حيويا عند الياسري إذ ينقل صورة المرأة ليجعلها تلاصق المكان ويرتكز على الجزئيات المكانية للدلالة على وجودها فالصورة المكانية المتشكلة تخبرنا أن المرأة الملاذ المكاني الوحيد الذي يلتجأ إليه فهذه الفلسفة الخاصة في الرسم المكاني المرتبط مع الانثى له دوافعه الشاخصة التي تعمق رؤيته الرمزية حول المرأة وهو يعدها المرتكز الأساس في الحياة وتقارب صورتها التي يرسمها بالوانه المختلفة إذ يجعلها تتقارب مع الوان الارض وتأتي خصوصية التقارب من ادراك جامع مانع على ما تقدمه المرأة في الحياة والياسري شاعر الانسانية والقرية وكل شيء وقصيدته الممتدة عبر سنين طويلة تحمل لنا ثقافة واسعة وابحار عميق في الحياة”
ثم قدّم الشاعرة التونسية منية بو ليلة، فتحدثت عن تجربة ترجمة نصوص لم تكن تعرف صاحبها عن قرب، فوجدت نفسها تخوض في عوالم الشاعر، ووجدت نفسها أملم تجربة جميلة ومليئة بالمشاعر والأحساسيس وربما استلهمتها البعض منها لكتابة نصوص وقصائد
وتحدثت المستشرقة الاسبانية نويمي فيرو
التي ترجمت للشاعر عيسى حسن الياسري رواية أيام قرية المحسنة ونشرت في مدريد عام 2020، عن تجربتها في الترجمة وعن الرواية المترجمة والأدب العراقي ممثلا بعبير الياسري روائيا، فيما تركز حديث د.عبدالهادي السعدون على تجربته من خلال الثلاث كتب الشعرية التي صدرت وتصدر بالإسبانية وعن دور الترجمة فيها ووصول الشعر العراقي للقارئ الإسباني وثم ذكر أهم ما قيل عن تجربته من آراء متعددة مثل رأي اغناثيو ورأي سانتانا وما إلى ذلك..
وتحدّث الدكتور خزعل الماجدي في سؤال أثاره أحمد رافع عن تجربة الياسري التي تابعها منذ الستينيات، وحتى المجلد الثالث الذي صدر مؤخرا وأشار إلى أهم مميزات نص الياسري، وقال الدكتور حاتم الصكَر”يتزامن الإحتفاء بثمانين الشاعر العزيز عيسى حسن الياسري، مع انتهائي من قراءة المجلد الثالث الأخير من أعماله الشعرية. وهو مكرس لقصيدة النثر.
تيقّنت أن الياسري لم يحمل في حقيبته سوى روائح القرية، ولون سمواتها وصفو مياهها ، وهكذا بدأ الرحلة الشعرية التي هي جزء من رحلة الحياة ، كما يسميها في المجلد الجديد.
ماذا يريد عيسى ؟في ( بتلات) ديوانه المخصص للقصائد القصيرة جدا، وهي تسرني لأني أتحمس كثيراًبكثافة قصيدة النثر وأن تغدو مقاطع وشذرات، نقرأ بتلة من بيتين بعنوان ( أريد):
أريد أن أستريح
لقد أتعبني تسلقكِ يا نجود حياتي الوعرة.
هذا تلخيص لوصف عيسى لحياته في الشعر، والشعر في حياته،بأنها رحلة .
والبتلة لغة: هي الفسيلة التي انفصلت عن النخلة أمها واستقلت.
وفيها رمزية الأم والإرتباط بالقرية والأم وكلها إناث..الفسيل
وذات رائحة جنسية للخصب وهي التويج…
وفي بتلة بعنوان ( صناعة) يطلب بأن يهجر المعلب ويقول:
إنهم يصنّعونك أيها الشعر
كما يصنّعون الأإذية المعلبة
وهذا في الواقع مزاج الفلاح الذي يضيق بالأغذية المعلبة ويمقتها ،بل يراها غذاء لا إنسانياً. وكذا يبدو له الشعر- وهو الذي يصف نفسه بالبدائي- غير قابل للتعليب في وصايا وإرشادات جاهزة..
تبدو (صناعة )تتمة لبيانه الشعري في قصيدته(الشعر) ، حيث الطبيعة ومفرداتها ماثلة في ثنايا القصيدة:
يبدأ بسطر شعري من كلمة واحدة هي:
الشعر
ثم يتخذ أسلوب الإلتفات ، فلا يعرّفه أو يشرح فكرة عنه.بل يخرج ملتفتاً ليقولما يفيد بعفوية الشعر وتلقائيته:
الشعر
لا تركوا أحجاركم في في مجرى أنهاره النظيفة
اتركوه يختلط بمائها …..
الشعر
اتركوه يمضي حراً
حتى يختلط بالعجين الذي تنضجه الأمهات أرغفة شهية…
اتركوه يتجوّل..
حافياً..
حراً..
بسيطاً
كبدائي لا يحمل ضغينة…..
كأن الياسري يرسم صورة لنفسه: البدائي الحر المتجول حراً بسيطاً ، وكشعره هو ببساطته التي توصف بأنها ليست بساطة سطحية..
قصيدة الوداع مؤلمة وهي رحلة منذ البداية..
لقد جعل الودا ع في آخر الديوان ..ونجد بجانب الحزن رغبة شديدة بالحياة..وهنا من منفاه حيث حمل القرية وأشياء،ها نراه يضع الوداع في أقاصي الديوان الذي بمهارة شاعر عارف جعل افتتاحه بالقول:
أنا هو من عاش طفولة سعيدة
أنا هو من صافح أعياد الحصاد
وتعطرت ثيابه بطين السواقي
ثم ٍأنهى الديوان وكأنه يغلق قوس القصائد والرحلة معاً بقوله في قصيدة(لكِ اسلم حياتي) :
بالقليل من الحزن
والكثير الكثير من الفرح والبهجة
سأبدأ هذي الرحلة:
و: سأبدأ هذي الرحلة بقدمين مدماتين
بأثواب رثة
وبجسد ضامر
لكن لا تغرنكم البهجة ..هذا الرجل – كما قال- حياته رحلة وعرة ومسالكها ضيقة.
وها هو ذا في أواخر أبيات القصيدة والديوان والرحلة يقول:
أشعر..وكأني أنهيت مهمة جليلة كلفت بها..
نعم ياعيسى لقد فعلت ذلك وإننا بك لفخورون
أنت حي في القصيدة والقصيدة حية فيك..
بهذه الحيوية ستعيش عصراً شعرياً لا عمراً عابراً
تمسك بالعشبة .. هي وعد جلجامش الذي سأل عن عشبة الخلود فلم يجد ..
ورأى أنه لاشيء يخلد الإنسان بايولوجياًن فعاد ليبني مدينته ويخلد عبر أعماله.
وهذا ما فعله عيسى فرضي بالشعر تراثاً له..
أحييك عيسى أخي ، وأعانقك عبر الفضاء”
وفي النهاية وجّه الياسري كلمة شكر للمشاركين فقال” ما أسعدني أنا التلميذ الصغير الذي يجلس امام أقطاب الحضرة حيث هذا الجمع الطيب من الأساتذة والأصدقاء , ما أسعدني وانا أعيش هذه الحالة من الوجد الصوفي , هل حقا انا استحق هذا الاحتفاء من أساتذتي وأصدقائي الكبار ؟ . أستاذي الذي جلست في صفه من عام 1960 دكتور عبد الواحد محمد .. شكرا لك أيها المعلم الذي ما زلت ذلك التلميذ الصغير الذي يجلس في صفك حتى لحظتي هذي .. زرتك ذات يوم من عام 1987 في بيتك الجميل عندما كنت تترجم مجموعة ” العشبة ” , كنت تستعمل طابعة قديمة , ووجدت اصابعك مشدودة بشاش ابيض لأنها نزفت دما اثناء عملك في ترجمة قصائدي , فما كان مني الا ان انحيت وقبلت يد ك واصابعك الشريفة استاذي د. عبد الواحد محمد , أنت الذي نزفت أصابعك دما من اجل ان تقدمني الى العالم , ممتن لك استاذي , ممتن وفرح ان اجلس في صفك مرة أخرى , وحتى بعد ان فرقتنا المسافات مازلت تلميذك الذي يتشرف بالجلوس في صفك يا معلمي حتى الآن .. وما زلت ُ أذكر ُ نبوءتك عندما عرفت أن الشاعرة الاسترالية الراحلة ” آن فيربيرن ” قد ترجمت احدى قصائدي إلى اللغة الإنكليزية بمعاونة الشاعر العربي الكبير الراحل ” غازي القصيبي ” , حيث نشرت مقالة بعنوان ” عيسى حسن الياسري في الطريق إلى الفضاء العالمي ” وها هي نبوءتك تتحقق يا معلمي .. بعد ذلك تعاونت معها على ترجمتي . ْ
استاذي الدكتور صالح جواد الطعمة الكبير , شكرا لك استاذي وانت تهتم بي دون أن اجلس في صفك أو التقيك , مع هذا وجدتك يا معلمي وقد وثقت َ لي أصغر شي مترجم لي في أي مكان من العالم , وهذا شيء لا يقوم به الا القديسون , انا محظوظ ان يكون لي أساتذة من القديسين الذين نسوا متاعب العمل , ومتاعب ثقل سنوات العمر أمد الله في أعمارهم , ومتاعب العالم من حولهم وانصرفوا لي , اعطوني الكثير من قتهم وجهدهم , وكنت أقول ..هل حقا إنا استطعت ان أقدم ما استحق عليه ان يحتفي بي هؤلاء الأساتذة بأبوتهم , ويحتضنوني بمحبتهم , ويقدموا لي كل هذا الاهتمام والرعاية ؟ .. استاذي دكتور صالح جواد الطعمة انحني امامك بكل حب أيها الكبير..
صديقي وأخي الشاعر والمترجم الدكتور ” محمد ميلود الغرافي ” , لم ارك أيها الكبير , لم التق بك , لكنك استطعت بأبداعك ومحبتك ان تصل لي واصل اليك , شكرا لك أيها الكبير وأنت َ تترجم قصائدي , وتقيم جسرا رائعا بيني وبين شاعر فرنسي كبير هو الشاعر ” لويس بيرثولوم ” , الذي وبروحه وبمحبته , راجع ما ترجمته يا صديقي , انت أيها المترجم الكبير , الذي نفذ الى روح القصائد وجعلها تؤثر في من يقرأها
الأستاذ الشاعر الكبير والموسيقي , ورجل السلام ” لويس بورتولوم ” , الذي اجدني اجلس امامه في لحظتي هذي , وكأنني اجلس امام جميع شعراء فرنسا العظام من ” بودلير الى راميو الى فيرلن وحتى اراغون ” او أصحب ” فاليري ” في جولة في شوارع باريس , أو نجلس معا في مقهى البورتج الذي كان يجلس فيه الشاعر ” فيرلين ” .. شكرا لك أيها الشاعر الكبير والانسان الكبير ” لويس ” .. أنت الذي وبروحك المنفتحة والجميلة احتضنت قصائد ” أمضي وحيدا ” , وكتبت عنها مقدمة رائعة , ثم اعددت ملفا عني نشرته في مجلة الشعر الفرنسي ” روح المتمردة ” غطى سبع صفحات منها , ومن دون أن أراك أو تراني أيها الشاعر ” لويس ” لك الشكر والامتنان أيها الكبير.
هذه المناسبة الشبيهة بحلم , هل تتحقق لولا مبادرة اخي وصديقي الجميل طفل الشعر عبد الرزاق الربيعي , لقد عشنا أياما جميلة في بغداد العزيزة , أياما ً اقل الما , هي مؤلمة , لكنها اقل الما مما هي عليه الان , تحياتي لك صديقي الشاعر العذب عبد الرزاق الربيعي .
صديقي الشاعر احمد رافع هل التقيتك في بغداد لتقابلني بكل هذا الحب؟ لا اعتقد , لك تقديري ومحبتي .. أنتم ابنائي واصدقائي الذين افخر بهم , وانا اكيد انكم ستواصلون الطريق ,وستقدمون الكثير مما لم نستطع نحن ان نقدمه.. ممتن لمحبتكم التي جعلت وجهي يبتل بدموع فرحي بلقائكم.
شكرا لكم أيها الآباء الكبار , الكلمات كلها تبدو صغيرة وهزيلة امام محبتكم .
شكرا أستاذي ” د. حاتم الصكر ” انت أيها الاب الروحي للشعر العراقي انحني امام حزنك الجليل .. كنت بيد تقطف عناقيد دموعك .. وباليد الأخرى تطرد الوحشة عن كتبنا .. خزعل الماجدي الجرح الهائل المفتوح , شكرا لك وانت تحفظ لنا كنوز وتاريخ العراق بعد ان سرقوا تاريخ وكنوز العراق .
شكرا لكل من تابعنا , شكرا استاذي وصديقي الناقد العراقي الكبير ” ضياء خضير ” لأنك تابعتنا على طول الجلسة , وكان لكلماتك وقع مؤثر أيها الكبير , شكرا صديقي واخي الشاعر العذب ” جبار الكواز ” وانت تنقل بثا حيا للجلسة على صفحتك في الفيس .. شكرا للحلة المبدعة والنادرة الوفاء من خلالك . وأخيرا شكرا لصديقتي الحياة , لانها جعلتني أعيش لا شهد هذا الحدث الكبير .
ومرة أخرى شكرا للعزيزين الشاعر الذي ” يصعد إلى صبر أيوب ” عبد الرزاق الربيعي , شكرا لصديقي الشاعر ” احمد رافع ” سعيد لا نني تعرفتك .. انتما حققتما ريادة لم يسبقكما احد اليها , ارجوكما .. اجعلا منها تقليدا تحتفيان من خلاله بكل مبدعي العراق الذين يبلغون الثمانين او التسعين .. احتفوا بهم كما احتفيتما بي واكثر فهم الأجدر بالاحتفاء , , ان تابعتما هذا التقليد الإبداعي فغدا وعندما تصلان محطتنا
سيحتفل بكما الجيل الجديد .. دونا ولادات مبدعيكم وهي متوفرة على صفحاتهم في الفيس .. واحتفوا بهم .. انكما نهضتما من خلال احتفائكما بي بأهم تقليد حضاري يمارسه العالم المتحضر .. فتذكرا أيها الصديقان مواليد اساتذتكما حتى تتذكركما الأجيال القادمة .. تذكرا هذا دائما”
ختم الرافع الجلسة بكلمة شكر وامتنان للضيوف الذين أثروا الجلسة إثراء أدبي غزير ولكل من شاهد الجلسة وتابعها بحب وختم الرافع أخيرا الجلسة بتقرير فيديو من إنتاج الشاعر حسين خليل عن سيرة الشاعر الياسري وبصوت المذيعة الشاعر حوراء الربيعي
لمتابعة تفاصيل الجلسة عبر اليوتيوب:
https://youtu.be/Ruygxs9EbmE
لمتابعة تفاصيل الجلسة عبر الفيسبوك:
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=802639710607778&id=100025852697285