شبح الانتحار يهدد الشباب
الكاتبة المغربية| بشرى بوغلال
قد شهد العالم في العقود الأخيرة وإلى يومنا هذا، تفشي ظاهرة جديدة لها دأب السرطان في الجسد العليل، ومن هنا برز هذا العدو الخفي إلى الواجهة.
ما المقصود الانتحار؟
هو فعل إتوجرامي يقترفه الشخص في حق نفسه، منهيا بذلك حياته وقاطعا نفسه بملئ إرادته، ومهدرا حقه في الحياة التي تعد من أقدس وأسمى الحقوق الإنسانية على الإطلاق.
حيث كان الانتحار ولا يزال من أبشع الجرائم وأسوأ القرارات التي يتخذها العديد منا تحت تأثير اليأس ،والإضطرابات النفسية التي تؤدي بصاحبها إلى الهاوية .
وقد جاء الإسلام ليقول كلمة الحق في هاته الظاهرة التي أصبحت متفشية في عمق مجتمعاتنا، حيث صار أجيج نارها المستعرة مدويا في كل أصقاع الأرض وبقاعها.
لتطلق بذلك موجات حر هائلة صوب نخاع المجتمع وبدنه، حتى يكاد يخيل إليك من شدة لهبها وكأنها سلسلة عواصف شمسية حارقة، تلتهم في طريقها إلى قلوب ضحاياها كل الوصايا والأخلاق الإسلامية الرشيدة، والتي نددت بهذه الظاهرة الخطيرة ونهت عنها.
حيث أتى في سنة المصطفى الكريم ما يجرم هذا السلوك البشع ويحرمه.. فقد قال رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام:من قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم》
وقال ابن حجر [1] :《ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه 》[2].
فقاتل نفسه يتحمل وزر ما اقترفت يداه وما قد يترتب عن ذلك من تعذيب للنفس.. وإقلاق للأهل والمجتمع بغير حق يذكر.
ومن الأسباب النفسية التي قد تدفع بصاحبها نحو الهلاك وتلقي به في دوامات من الضياع والتيه، نذكر من ضمنها: الاكتئاب وهو مرض نفساني غالبا ما يكون سيد الموقف والمُخْرِجَ الأول لهذه المشاهد المأساوية، والتي لا تكتمل لقطاتها التراجيدية إلا بشيء من القلق المصحوب باليأس من الحياة وانعدام الرغبة فيها.
كما أن المخدرات والمشروبات الكحولية التي ترمي بمستهلكيها في زنزانة الإدمان المغلقة، أتت على نصيب الأسد في قائمة الأسباب التي تقدم قرابين بشرية لهذا الوحش الذي يبدو وكأنه استفاق بعد سبات طويل وعاد من حقب ما قبل التاريخ، ليقوم من تحت الأنقاض ويعود للزمجرة من جديد.
وفي عالم قل فيه إيمان المرء بربه ،والرضى بقضاء الله وقدره، وكذا ضعف الوازع الديني وزعزعتِه لدى الشخص ، وهو في الغالب ما يؤدي إلى الوقوع في المحظور، ويحتم على الإنسان القيام بأمور محرمة.
حيث أتى في فرقان الله وبيانه الكريم..قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما }.[النساء ٢٩].
فكما جاء في سابق القول أن النفس ملك لله وليس لأحد أن يقتل نفسه، فيخسر الدنيا والآخرة.
فقد أتت الآية الكريمة مبينة تحريمه عز وجل للإنتحار لما في ذلك من معصية للخالق سبحانه، وداعمة للنصوص التي جاءت بها الشرائع السابقة، قبل بزوغ فجر الإسلام وانجلاء ظلمة الجاهلية.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا..فليقل اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرا لي ،وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي] .
لذلك يجدر بنا كأمة إسلامية أن نلتزم بتعاليم ديننا الحنيف وأن نتخذ من درر نبينا المصطفى الأمين وجواهر أحاديثه سلوكا ومنهجا متبعا في حيثيات معاملاتنا، وجل تقلبات حياتنا اليومية، والتحلي بالصبر مهما قست الظروف، وأجهزت المصائب بكربها علينا من كل حدب وصوب.
وفي هذا الصدد كان لزاما علينا الإشارة إلى أن الحياة ” دمعة وابتسامة” ومن شيم المسلم تحمل كل تقلباتها العاصفة والتزود بالكثير من الصبر و روح الإيمان، وكذا التسلح بذكر الله للإفلات من قبضة الكآبة والتحرر من براثن الأفكار السوداوية التي تؤدي للانتحار.
وأخيرا وليس آخرا فهذا الموضوع أكبر من أن تحتويه مقالة واحدة لذا وجب علينا البيان بأنه:
لا ريب في أن الحياة ثمينة..
لكن نفسك من حياتك أثمن ..