ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (47)
محمد زحايكة | القدس- فلسطين
د. غسان عبد الله.. شخصية عصامية ذات أبعاد أكاديمية وثقافية لا تتوقف عن الإنجاز المستمر
كانت بداية علاقة الصاحب المتينة مع د. غسان عبدالله منذ أيام جامعة بيرزيت في بداية الثمانينيات من القرن المخلوع، عندما خف الصاحب إليه وطلب منه مساعدة أكاديمية لإعداد بحث باللغة الإنجليزية على ما يذكر الصاحب، فما كان من غسان إلا أن تطوع، و أرشد الصاحب إلى مفاتيح رئيسة ضرورية لعمل وإعداد أي بحث ناجح.
وهذا ما كان حيث واصل الصاحب السباحة الذاتية بعدها وخوض تجاربه الأكاديمية بعد أن حصل على قواعد الانطلاق من لدن غسان في ارتياد عوالم الأبحاث الأكاديمية اللانهائية .
فغسان عبد الله القادم من (تلال صرة) وجارتها (تل النابلسية) شخصية مركبة وجدلية ولكنها في نفس الوقت بسيطة وخدومة وقائمة على مبدأ الشغل على النفس وتطويرها وعدم الاكتفاء بالقليل وإنما الطموح الدائم إلى تطوير الذات والنفس وتقديم الخدمات الإنسانية بكل سرور كلما تطلب الأمر ذلك، غير باحثين عن المجد الشخصي ولا طالبين حمدا ولا شكورا .
وكان الصاحب كلما اقترب من شخصية غسان عبدالله اكتشف فيه مزيد من الطاقة والحيوية حيث كان يراه دائب الحركة والتنقل من مهمة إلى أخرى، وكأنه يحمل أكثر من بطيخة في يد واحدة ورغم ذلك لديه قدرة عجيبة على التوفيق بين هذه المهمات وإدارة الوقت بصورة فيها إبداع وإنجاز، فتارة، تراه مع الأسرة ثم في العمل ثم يجري وراء مهمات متعددة وأحيانا في أكثر من مدينة في نفس اليوم ، فأحيانا تسأل عنه صباحا وإذا به في نابلس ثم ما تلبث أن تراه يسير في شوارع رام الله عصرا ولا تستغرب إذا ما رأيته يسارع ويغذ الخطى في شوارع القدس مساء، فهو يهرول من مهمة إلى أخرى كبندول الساعة لا يعرف الراحة أو التوقف
ولا ينسى الصاحب انه قضى يوما في ضيافة أسرة غسان في شقته برام الله ذات ليلة باردة بعد اقترانه بنصفه الحلو مدام تيريز سابيلا التي لا يدري الصاحب لماذا تذكره دائما بالمناضلة الأسيرة المحررة تيريز هلسة، كما كان الصاحب شاهدا ربما على بداية علاقة هذا الثنائي الجميل على مدارج جامعة بيرزيت والنهاية السعيدة التي جمعتهما في رباط مقدس متين وأثمرت عن ثالوث من المبدعين والمبدعات في حقول العلم والكفاءات العلمية التي يشار لها بالبنان
وكما في كل ومضة، فإن الصاحب يتناول فقط جزئية علاقته بكل شخصية من الشخصيات التي عرفها أو تأثر بها، وليس هدفه الإحاطة بجميع أبعاد الشخصية لأن هذا ليس غرض الومضة الخاطفة. فشخصية، كشخصية غسان عبد الله لها إسهامات ثقافية وأكاديمية شتى وهي شخصية ديناميكية محورية في مجالها بعد أن أطلقت مركز الدراسات والتطبيقات التربوية إلى جانب العديد من الفعاليات والنشاطات ذات الأبعاد الثقافية والتربوية والأكاديمية المبنية على أسس علمية حديثة.
شخصية بنت نفسها من الصفر واعتمدت على نفسها مئة بالمئة وكانت سباقة في ميادين عدة ولها نظرة ثاقبة في كثير من الأمور. فهي شخصية عصامية ولا شك، هناك من يرى فيها نوعا من الاعتداد الزائد بالنفس، الا أنها تبقى شخصية ديناميكية جدلية متفاعلة بإيجابية مع محيطها إلى أقصى درجات التفاعل ومهتمة بالشأن العام وهي شخصية مثقفة من النوع القلق الذي يطرح الكثير من التساؤلات ويسعى إلى تقديم أجوبة فكرية على معضلات مجتمعنا الفلسطيني على طريق التخلص من الاحتلال وتحصين أنفسنا من الأمراض الاجتماعية والفئوية وبناء جدار عال منيع من الوعي والانتماء الحقيقي للأرض والإنسان والوطن الحر المنشود .
كانت للصاحب تجربة حزبية قصيرة مع غسان ابو اسامة في العاصمة القدس، وما زال الصاحب يذكر حماسه واندفاعه للعمل والإنجاز والتقليل من الشعارات الفارغة، الأمر الذي كان لا يروق للبعض الذي لا يعجبه اسلوب المغامرة والاندفاع، وكأن العمل الحزبي يخضع للبيروقراطية القاتلة لكل شيء. وذات مرة في لقاء حزبي، تجادل الصاحب مع غسان حول من يحصل اولا على نشرة حزبية أظنها كانت تتضمن تعميما حول تجنب الوقوع في الأسر وفلسفة الصمود في التحقيق والمواجهة وراء القضبان ، دون إعطاء العدو اية معلومة مهما كانت تافهة . والذي حصل ان التعميم فقد فجأة ولم يعرف مصيره.. وذهب الجدل بأحقية من يأخذه أولا، على فاشوش؟ ويا فرحة ما تمت؟
د. غسان عبد الله شخصية أكاديمية من طراز رفيع.. مثقفة وحالمة بالتغيير إلى الأفضل، شخصية ديناميكية لا تعرف اليأس أو رفع الراية البيضاء، تواظب وتثابر على أداء رسالتها الثقافية والأكاديمية بإتقان ونشاط يغبطه عليه الكثيرون .
غسان عبد الله.. طاقة لا تنضب من العطاء المعرفي والبحث الأكاديمي الجاد بطابع ثقافي، يشهد على ذلك، هذا الكم من الدراسات والأبحاث المعمقة في شتى المجالات والميادين
كل الاحترام والتقدير لهذه الشخصية الفريدة التي لا تتوقف عن العطاء والإنجاز. دامت ودام عطاؤها المتميز