ذراع.. قصة قصيرة

بقلم: قائد غيلان | اليمن

منذ أن فقدت ذراعي وأنا اتعرّض لمواقف محرجة، تقول لي إحداهن: أريد توقيعك، فيمتقع لوني وتحمر وجنتاي، أشير إلى وجهي وأقول: هل أوقّع ببصمة الوجه ؟! أتمنى في قرارة نفسي ألّو كان هناك اختراع يسمح لنا أن نوقّع ببصمة الشفاه أو اللسان.

عندما أسير في الشارع وأرى عشيقين يتعلقان بذراع بعضهما اتحسّر مرتين؛ أنْ ليس لدي عشيقة وليس لدي ذراع. لا قيمة للإنسان دون ذراع، صحيح ألا أحد يعلم أني كذلك، فأنا أخفيه جيدا، لكن تبقى مسألة التوازن هي التي تفضحك، لا يمكنك أن تكون إنسانا سويا متوازنا بدون ذراع، خاصة النساء، لهن حاستهن التي لا تخطئ، بمجرد أن تجلس إلى جانبك تعرف أن ذراعك مبتورة، أنت تظن أنها سوف تكون أكثر أمانا بجانب رجل لا ذراع له، لكنك تنصدم حين تراها تفزع وتهرب منك وكأنك قد خرجت من فصيلة الإنسان، لكنها سرعان ما تعود وتفتح أمامك دفاترها بدون أي لياقة أخلاقية.

في الباصات والأماكن العامة تتخذك النسوة مخزن أمانات، يضعن أمامك حاجياتهن دون خوف، ولا يزعج الرجل شيئ أكثر من أن يكون مصدر أمان عند المراة.
في المقهى كانت هناك مجموعة نسوة في الطاولة المجاورة، كن يرقبنني باهتمام، ولما أدركن ألّيس هناك ذراع تتحرك، طلبن نقل طاولتهن إلى الجهة الأخرى، حتى السيدة العجوز التي لا يكلمها أحد حين أذهب إلى بقالتها لا تسمع طلبي إلا كآخر واحد بعد الرجال والأطفال والنساء. وكل يوم عندما آوي إلى فراشي، أتحسس مكان الذراع وأنشد محرّفا البيت الشعري:
فهو اللسان لمن أرد فصاحةً
وهو السلاح لمن أراد قتالا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى