كل شيء صالح لكتابة الشعر
عبد الرزاق الصغير | الجزائر
بعد نصف قرن
لازلت أقفز الدرجتين الأخيرتين. من سلم المنحدر الترابي مقابل العمارات
لازالت أحتفظ بسروالي القصير
ولازالت شرفات العمارة متسخة
والناس يتزاحمون على مكتب البريد
في شقة في الدور الأرضي
ولا زال الشيخ طارحا خروبه على قماشة على الأرض
يحاول بيعه
لا زالت القحبة الوحيدة في الحي
لا تجد من يأخذ صورة مع حلمتها المعقوفة
كأحد أصابع الرجل
الشيء الوحيد الذي تغير الشجرة الكبيرة التي كانت كل ربيع تزدهر كالباقة ماتت واستبدلوها بشجيرة دردار
لا زالت أم كلثوم تتأوه من شباك كشك التبغ والكبريت
لازال الصبار ينمو شاحبا صابرا
على هامش الحديقة
لازالت الشمس من بين نفس الصخرتين تشرق
وخلف نفس المدخنة الأثرية والجبل تغرب
بعد نصف قرن
لازلت أخجل أن أقرأ
لك شعري
///
لم أغرِ
أو أستدرج يوما قصيدة
كسكرتيرة ثملة جميلة مفتوحة الجيبة
تلبس قميصا حريرا رصاصيا
لم أفكر يوما في الشعر وأنا واقفا على جرف مقابل البحر
إن استعصت علي امرأة
أشتري أغلى عطر
وأغلى ملابس داخلية في أغلى علبة
ولكنإان استعصت علي قصيدة
لا أنا لا أدخن ولا أشرب خمرا
ولا أروح وأجيء مشغول البال في الشوارع
ولا أسهر
جالسا في أي مقهى في النواحي
و لا أفتح الهاتف
ولا أقرأ
ولا أفكر حتى في عنوان لهذا النص
///
كل شيء صالح لكتابة الشعر
أنا لا أمشط شعري صباحا
لا أخذ فتاتي الخجولة خلف شجرة الدلب الضخمة ترش وجهها بالماء تغسل رجليها وتعيد تكحيل عينيها
لا أطيق انتظار القطار المتأخر
أو أن أكون أحد رواد المقاهي التي تفتح باكرا جدا
لذا تجدونني في طرقات القصائد الطويلة
أحاول إيقاف السيارات
أو متكئا على حقيبتي في خلفية شاحنة
لا أدري كيف أشفق علي سائقها
لا أرتب ذهنيا مقاطع القصيدة على الماشي في السينما في ممر الكراسي المظلم
لا أمضمض فمي
من قبلاتك قبل النوم
لا أتعاطى أي منوم
أنا لا أمشط شعري صباحا
كل شيء صالح لكتابة الشعر
آه فتاتي الخجولة نست منهدتها السماوية
على العشب.