الحماية القانونية لحرية الرأي والتعبير..حدودها وضوابطها
أ.د. حنا عيسى | أستاذ القانون الدولي
حرية التعبير حقك في قول ما يعجبك وحق الآخرين في قول ما لا يعجبك.. فإذا كنتم عبيداً في الأرض وقيل لكم: ازهدوا في حرية الأرض، ففي السماء تنتظركم حرية لا توصف.. اجيبوه: من لم يتذوق الحرية في الأرض لن يعرف طعمها في السماء.
تعد قضية حماية حقوق الإنسان بشكل عام وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص من أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية في إطار منظومة الأمم المتحدة، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحصول الشعوب على استقلالها ، وبناء دولها وظهور هيئات ومنظمات المجتمع الدولي المعنية بحقوق الإنسان وحرياته وحمايتها وتدوين هذه المبادئ والحقوق في العديد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية في شتى المجالات ، وإنشاء آليات دولية لحماية وتعزيز الإنسان.
ويتم ضمان الحق في حرية التعبير من خلال العديد من المعاهدات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك بموجب القانون الدولي العرفي. ومع ذلك فإن هذا التنوع في المصادر لا يعكس تنوعاً في الأفكار فيما يتعلق بمعنى ذلك الحق : حرية التعبير هي حق عالمي ولذلك فإنها تحمل نفس المعنى تقريباً في كافة المعاهدات. تتعلق أي اختلافات حول هذا الحق بكيفية إنفاذه فقط. فيحتوي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة التاسعة عشرة منه على أول بيان معترف به بشكل واسع للحق في حرية التعبير حيث تنص المادة على ما يلي : “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل ، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية “.
من هنا ، تعتبر حدود حرية الرأي والتعبير من القضايا الشائكة والحساسة ، إذ أن الحدود التي ترسمها الدول أو المجاميع المانحة لهذه الحرية قد تتغير وفقا للظروف الأمنية والنسبة السكانية للأعراق والطوائف والديانات المختلفة التي تعيش ضمن الدولة أو المجموعة وأحيانا قد تلعب ظروف خارج نطاق الدولة أو المجموعة دورا في تغيير حدود الحريات.
ومن هذه الحدود والضوابط ما يلي:
1-عدم التعرض بالإساءة لمعتقدات الآخرين ، كون المعتقد هو المؤثر الأول في المشاعر الإنسانية ، والإساءة له تثير ردود أفعال غير محسوبة من أصحاب المعتقد.
. 2-عدم تكفير الاشخاص والافتراء عليهم
. 3-عدم التطاول على الذات الإلهية أو الأنبياء والرسل
. 4-أن يستهدف حق التعبير عن الرأي الصالح العام للمجتمع وألا يُستَغل لأغراض مريبة
. 5-أن يمارس هذا الحق بطريقة لا تستفز الآخرين وبقدر من الحكمة
. 6-أن لا يُستَخدَم هذا الحق في قضايا تدعو إلى إشاعة الرذيلة والفساد داخل المجتمعات
7-الابتعاد عن منطق الاستبداد بالرأي وألا يعتقد صاحب الرأي إنه على صواب دائماً في حقه بالتعبير.
8-أن لا يتم التعدي على حريات الآخرين بالتحريض على القتل أو الاعتداء أو الاحتلال بحيث يتم سلب حقوق الآخرين.
9-إيجاد قوانين حماية دولية واستصدار قوانين وأحكام محلية تحرم وتجرم الاعتداء على الأديان والمقدسات والإساءة إلى الرموز.
10-أهمية العمل على تعزيز مفهوم حرية الرأي والتعبير واحترام الأديان والمقدسات.
11-تحمل المسؤولية الإنسانية والأخلاقية وتبني الدور الإيجابي في الدفاع عن الآراء والمعتقدات والمقدسات.
وعلى ضوء ما ذكر أعلاه ، فان مهمة الكاتب الحقيقي لا تتلخص في أن يقول شيئاً لم يسمع به أحد من قبل ، بل أن يقول ما يفكر به الناس كل يوم ولم يستطيعوا التعبير عنه أبداً ، مهما حاولوا.