واقع قبيح

بقلم: ‏ياسمين كنعان 

ويحق لي أنا أيضا أن تصيبني الكآبة أحيانا، وربما كثيرا، وأن أصمت طويلا، أو أفقد شهيتي للكلام، ويفقد كذلك قلمي شهيته للكتابة..يحق لي أن لا أفكر بارتكاب أي حماقة، أو دخولها، أو كتابتها حتى. كما يحدث الآن!
كنت سأكتب لك هذا المساء، طويت صفحات الرواية التي كنت غارقة فيها، و اتخذتها متكئا لأوراقي التي سأكتب عليها حماقاتي..فكرت ماذا لو أطل كاتبها -أقصد كاتب الرواية- من خلال صفحاتها ليرى كيف اتخذت منها متكئا لحماقاتي؟!
أدب عظيم تفترشه بعض الأوراق لتسرد عليها امرأة حماقاتها!
ربما لو عرف كاتبنا الكبير فداحة ما فعلت لقرر من فوره أن يتوقف وبشكل نهائي عن الكتابة، وربما لن يعترض فأنا لم أرتكب بحق أدبه وروايته أي حماقة؛ كنت أستند عليها لا أكثر !
يحق له أن يعترض لو كتبت حماقاتي فوق نصه العظيم، أو لو رسمت فوقه خربشاتي..ثم لم عليه أن يغضب أو يثور؛ ليس في الأمر أي انتقاص منه أو من أدبه، كل ما في الأمر أني أتخذتها رفيقة لي في سرد حكاياتي!
ما أردت قوله حقا أني كنت في مزاج سيء هذا المساء؛ ولن أقول الحق كل الحق على الكاتب، ولا على الرواية..الحق كل الحق عليك؛ فكيف لي أن أرتكب حماقة وأنت غائب ؟!
ربما ستقول لي ” وما الجديد؛ أنا الغائب الغائب منذ أمد بعيد!”
وأنا أعرف..أعرف كل ذلك، وأعرف أن ما بيننا ستارة رقيقة من الغياب؛ لو أزحتها قليلا، وربما تفعل ذلك أحيانا ستراني ولا أراك، لو أزحتها قليلا تراني بكل جنوني وتجلياتي..أرقص،أتعرى، أحزن، أبكي، أصرخ..تراني ولا أراك!
ثم أي متعة في ذلك! أي متعة في مراقبة الغياب، من وراء ستارة الغياب؟!
كم مرة رأيتني أموت أمامك ولم تحرك ساكنا! كم مرة رأيتني أفقد وعي دون أن تمتد كفك لتعيدني إلى وعي ولو بلطمة كف على خدي ؟!
أي متعة في أن تكون مجرد شبح أو طيف؟!
أحيانا أنساك؛ أنسى أنك هنا وأن ما بيننا مجرد ستارة رقيقة لو أزحتها أنت رأيتني، ولو أزحتها أنا لن أرى سوى ما يخلقه خيالي من خيال!
وحين أتساءل ما جدوى الكتابة إليك، و أكذب حين أقول ” أكتب كي أتدرب على النسيان!” أو “كي أواري سوءة الواقع بالخيال!”
وقد تسأل “كيف؟”
وأقول لك “غيابك كشف عن قباحة هذا الواقع الذي أراه بجسد مترهل قبيح، و بأطراف مشوهة، ربما مبتور الأطراف حتى !
هذا الواقع القبيح لا يحتمل، ولكي أكون قادرة على فتح عيني على قباحته؛ إذ لا بد لي من مواجهته والتحديق به، حتى لو لم أكن راغبة بذلك؛ لكي أستطيع رؤية هذا الواقع المشوه، علي أن أواري قباحته وسوءته بخيالات أقترفها في خيالي!
لن أقول أن ما أكتبه سيحوله إلى واقع جميل، لا؛ لأنني ببساطة لا أستطيع، وكل ما استطيعه هو منحه بعض الخيالات الجميلة التي تجعله أقل بؤسا مما هو عليه!
وتقول “كيف؟”
وأقول “بالحماقة!”..
أقاوم قبحه بالحماقة، ولن أقول بالأدب العظيم؛ الأدب العظيم للأدباء ..أما أنا فأضع القليل من الألوان على لوحة لرسام فاشل، تركها بأرضية وخلفية سوداء، وظلت على حالها! فقلت ” “ماذا لو سكبت عليها بعض اللون وبعض الضوء..هكذا أستطيع التحديق فيها دون أن أقع ضحية الكآبة كلما توجب علي النظر إليها!”
لماذا أخبرك بهذه التفاصيل المملة؟! لأنني كما قلت لك في البداية..يحق لي أنا أيضا أن أدخل في الكآبة، وأن أفقد شهيتي للكتابة، ويحق لي أن لا أقترف هذا المساء أي حماقة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى