حاجز الترجمة وجسر الإبداع.. لكل إنسان ليل
هدى عبد الحر | أديبة وإعلامية عراقية
الترجمة الأدبية المتقنة والحقيقية من أصعب الفنون وأكثرها إلحاحا في الوقت نفسه، فهي وسيلة لا غنى عنها فمن خلالها فقط نطلع على آداب العالم أجمع وهي تحتاج فضلا عن اللغة والتمكن منها مواهب وأدوات أخرى، لعل من أهمها معرفة الذوق العام لما يجري من تغيرات جوهرية في عالم المعرفة والثقافة، لذا فالمترجم المبدع لا بدّ أن يكون قارئا وناقدا وذا قدرات كتابية حتى يستطيع أن ينقل لنا نصّا أديبا من دون أن يخسر النص بعض خصائصه وجمالياته.
رواية (لكل إنسان ليل) من السرديات الحديثة التي نقلت لنا ويمكن أن نلخص أحداثها: في بيئة متواضعة لمستعمرة من اللاجئين الأسبان بالقرب من مدينة تولوز وتحديدا في الخامس من أيلول 1948 ولدت ليدي سالفير أوتينفيل لأبوين من الجمهوريين المنفيين إلى جنوب فرنسا منذ نهاية الحرب الأهلية الإسبانية (1939-1936) الأب أندلسي والأم كاتالونية، درست أولا الأدب في جامعة تولوز لتحصل على البكالوريوس في الرسائل الحديثة ثم التحقت عام 1969 بكلية الطب لتحصل على اجازة في الطب النفسي.. ومن ثم تمارسه عملا لسنوات طويلة.
هذه الكاتبة غير المعروفة بنطاق واسع هنا ارتأت المترجمة والصحفية عدوية الهلالي أن تنقلها للعربية وعدوية مترجمة من مواليد كربلاء 1966 حاصلة على بكالوريوس في اللغة الفرنسية من كلية الآداب.
تدور أحداث الرواية الصادر حديثا عام 2017 حول قصة (أنس) الشاب الفرنسي ابن 35 عاما مدرس اللغة الفرنسية الذي يصاب بالسرطان فيترك بيته وزوجته وينزوي بقرية جنوبية تبعد 500 كيلو متر بالقرب من مدينة بارون ليأخذ العلاج من معهد كريستوف اسبوعيا، الراوي أنس يفشل في علاقته مع زوجته ويخوض تجربة جديدة، بعد أن استأجر غرفة (اندريه سيمون ديدي) وزوجته (دنيس) التي تصفها الرواية بالانتقامية وابنه (داميان) الذي تصفه المدمن على الكومبيوتر.
ومن الشخصيات التي نصادفها في الرواية صاحب مقهى الرياضة مارسيلين لابس زوج فيلومينا الأندلسية والد أوغسطين وزبائن مقهاه ديدي وإميل وجيرار وجاك وإتيان ومن خلال النقاشات التي تدور في المقهى حول موضوع مهم وهو رفض الغرباء نجد دائما ثمة هاجس رئيس في الرواية كلها وهو رفض الآخر المختلف.
يواجه أنس صعوبة في التعامل مع أهل القرية على الرغم من تعاملهم معه بلطف وخاصة من (مينا) ابنة العشرين عاما النادلة في حانة بدينة، فتنشأ بينهما علاقة افلاطونية تسهم في تفاقم التوتر في القرية وتقدح بقضية الرأي الآخر التي ترويها الكاتبة حول المجتمع الفرنسي الصغير وما يحتوي عليه من عنصرية وكراهية للغرباء.
جاءت الرواية بأسلوب مشوق وعميق واعتمدت الكاتبة فيه تقنيات سردية غير معقدة واستطاعت أن تناقش بهدوء وموضوعية مسألة الآخر المختلف ودوره في المجتمعات التي تدعي الحضارة وقبول الاختلاف.
ولأن الترجمة الجيدة هي كتابة ثانية للرواية فإن دور عدوية الهلالي كان كبيرا ومهما في اختيار أقرب المفردات رشاقة وتقبّلا لمزاج المتلقي المعاصر، فحينما تقرأ الحوارات الطويلة أو تتابع التفاصيل الكثيرة لا تجد مللا أو ضجرا لتفاصيل تلك البيئة الغريبة عنك.
إنّ رواية لكل إنسان ليل إضافة مهمة
للمشهد السردي المتخم بالكثير من
الأسماء المهمة واللامعة؛ لذا كانت
ترجمتها خطوة ناجحة جدا تحسب للمترجمة.