حين سقط الزاهد!!

طارق بدوي دسوقي | نجع حمادي _ قنا _ مصر
الفصل الأول: العهد
في قديم الزمان، حين كانت البلاد تحت سطوة ملكٍ ظالم لا يرحم، عاش في أعالي الجبال رجلٌ عابدٌ زاهد، انقطع عن الناس وترك الدنيا خلف ظهره. اتخذ من كهفٍ باردٍ مسكنًا، لا يسمع فيه إلا صدى صلاته وهمسات الريح بين الصخور.
وفي الوادي أسفل الجبل عاش ثلاثة إخوة، شبابٌ أشداء، يُعرفون بالشجاعة وقوة البأس. استدعاهم الملك للحرب، ومن يتخلف عن القتال كان يُقتل ويُنكل بأهله شر تنكيل.
وكان للإخوة أختٌ يتيمة، في أول عمرها، جميلة جمالًا يُخشى عليه:
عينان زرقاوان كصفاء السماء، وشَعرٌ أصفر يلمع كالغروب.
ولم يجدوا من يأتمنونه عليها… إلا رجلًا واحدًا:
الزاهد ساكن الجبل.
وبعد نقاشٍ طويل، وخوفٍ من بطش الملك، أخذوا أختهم وصعدوا الجبل، حتى وصلوا إلى الكهف. قصّوا قصتهم على الزاهد، وبكوا، ورجوه أن يحفظها عنده أمانة حتى يعودوا.
وبعد تردد… قبل الرجل.
تركوا له من الطعام ما يكفي عامًا، وودّعوا أختهم بألمٍ وحسرة، ثم مضوا للحرب.
الفصل الثاني: الشرارة
كانت الأيام الأولى هادئة.
الزاهد يضع الطعام أمام باب الغرفة دون أن يراها، وينشغل بصلاته وذكره.
لكن الليل الذي غلب فيه النوم على عينيه كان ليلة فارقة.
في ذلك الليل… ظهر له رجل غريب، ضائع، يطلب طريق بلدته.
دلّه الزاهد، لكن الرجل وقف قرب غرفة الفتاة وقال:
“من هذه التي تشع منها رائحة طيبة؟”
قال الزاهد:
“أمانة عندي.”
ابتسم الرجل بخبث:
“أفتاة جميلة؟”
قال:
“لم أنظر إليها.”
ضحك:
“أعجبًا لك… رجل وحيد، وفتاة جميلة في كهفه،
وتغضّ بصرك عنها؟”
ثم مضى…
لكن وسوسته بقيت تنخر قلبه.
وفي اليوم التالي…
امتدت يد الزاهد المرتعشة نحو الستارة،
وأزاحها لأول مرة.
فوقع قلبه كما تقع الحجارة من قمة الجبل.
لم يرَ جمالًا كهذا منذ خُلق.
ولم يعرف الشهوة منذ سنوات طويلة.
وتكررت النظرات… ثم طالت…
ثم تغيّر قلبه.
الفصل الثالث: السقوط
عاد الشيطان إليه.
وسوس له…
هيّأ له الشهوة…
وأشعل في قلب الفتاة أيضًا رغبة المراهقة واحتياجها لكلمة حب.
حتى سقط الزاهد… وسقطت معه الفتاة.
وتحوّل الكهف الذي كان بيتًا للعبادة… إلى موطن خطيئة.
واستمر الأمر شهورًا…
إلى أن حملت الفتاة سفاحًا.
حينها… ارتجف قلب الزاهد كما لم يرتجف في حياته.
ظهر له الشيطان وقال:
“إن أردت النجاة… اقتلها.
ادفنها فوق الجبل، وقل لإخوتها إنها هربت.”
رفض… ثم بكى… ثم قاوم…
لكن الخوف كان أقوى من الإيمان الضعيف الذي تبقى في قلبه.
جمع نباتًا سامًا، وصنع سمًا قاتلًا، ودسّه في طعامها.
وماتت المسكينة دون أن تفهم لماذا تبدل الرجل.
دفنها، وتخلص من ملابسها،
ثم عاد يبكي ندمًا،
يحسب أن الدموع ستغسل الدم عن يديه.
الفصل الرابع: العودة
بعد أسابيع، عاد الإخوة من الحرب منتصرين.
أكرمهم الملك، ومنحهم الغنائم، وبعد أن استراحوا قال الأخ الأكبر:
“لنذهب ونأخذ أختنا… فقد اشتقنا إليها.”
صعدوا الجبل مرة أخرى، ودخلوا على الزاهد.
رحّب بهم، لكنه حين سألوه عنها…
تلعثم، وارتجف، ثم قال:
“أختكم… هربت بعد رحيلكم بأيام.”
وقعت الكلمة كالصاعقة.
وبدأ الإخوة يتبادلون اللوم،
ثم خضعوا للقضاء والقدر،
وعادوا محطّمين.
الفصل الخامس: الحقيقة
وفي طريق النزول… ظهر لهم رجل غريب.
لم يعرفوا وجهه… لكنه قال:
“أتريدون الحقيقة؟
أختكم لم تهرب.
الزاهد… خان أمانته، وزنى، ثم قتلها.”
كادوا يضربونه…
لكن الرجل قادهم إلى مكان القبر.
قال:
“احفروا هنا.”
وحين نبشوا التراب…
وجدوا جثة أختهم.
صرخوا، وانهارت الدموع، واشتعلت النار في قلوبهم.
وعقدوا العزم على قتل الزاهد.
الفصل السادس: النهاية
وصل الخبر للزاهد،
فهرب، يرتجف،
لكن الإخوة أدركوه، قيدوه،
وأخذوا يتشاورون:
كيف يقتلونه؟
وكيف ينتقمون منه؟
وفي تلك اللحظة…
ظهر الشيطان للزاهد وحده.
قال:
“أتريد النجاة؟”
قال الرجل باكيًا:
“نعم… كيف؟”
قال:
“اسجد لي… وأنجيك.”
لم يعد في قلبه نور يهديه.
فسجد.
ضحك الشيطان ضحكة منتصر، وقال:
“أنا أخاف الله رب العالمين… وأنت لا تخافه.”
ثم اختفى.
وبقي الزاهد مقيدًا،
ينال عذاب الإخوة يومًا بعد يوم…
حتى مات بعد أيام،
وماتت معه قصته،
وبقيت عبرته تحكى لكل من ظن أنه فوق الفتنة.
✨ النهاية


