أثر إزاحة الفكر الوسطي على إستقرار المجتمع

د. طارق محمد حامد | أكاديمي مصري – القاهرة

هناك تجارب في الواقع المعاصر للأمة العربية ما زالت تعاني منها الأمة بسبب إزاحة الفكر الوسطي من قلب المجتمع و المثال الأوضح علي ذلك في الجزائر ، لما إنقلب الجيش علي الإرادة الشعبية بفوز جبهة الإنقاذ الإسلامية مما أدخل الأمة الجزائرية في أتون التطرف والفتنة الطائفية والإحتراب الأهلي فراح ضحية ذلك مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء و ما زالت يرزح الشعب الجزائري تحت وطأة هذا الأثر من إزاحة الفكر الوسطي من قلب المجتمع المدني الجزائري منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي.

و مما لا شك فيه أننا نحن المسلمين العرب تم إخضاعنا لنظريتين؛ الأولي: و هي نظرية المؤامرة حيث تم وضع مخطط محكم من قبل الرجل الأبيض الذي يتسم بالذكاء و ذلك للسيطرة علي موارد هذه الأمة و إحكام السيطرة علينا و حكمنا بالوكالة من أناس تم تربيتهم و صناعتهم في الغرب ليكونوا من جلدتنا و أسماؤهم كأسمائنا ليتقلدوا المناصب القيادية في الدول العربية و يحكمونا بالوكالة لصالح الرجل الأبيض الذكي صاحب نظرية المؤامرة و هم أي الغرب قد أحكموا الخناق علينا و قلدونا طوق التبعية والإنبطاح لهم بسبب النظرية الثانية: و هي نظرية القصور الذاتي التي صنعناها بأنفسنا بسبب انعدام الرؤية و فقدان الرسالة و التجهيل و تلقف ما يلقي لنا من فتات العلوم و التكنولوجيا الحديثة في إدارة الموارد الطبيعية والطاقة و لم نرفع رأسا في العلم و ألغينا عقولنا وعطلنا فكرنا و أهدرنا طاقاتنا و مواردنا و جهدنا فصرنا لهم تبعا.

هذه مقدمة لابد منها ثم نوضح أثر إزاحة الفكر المعتدل من المعادلة السياسية في المفردات التالية؛

1 – طغيان الفكر المتطرف:

و لقد حدث هذا في خمسينيات القرن الماضي حيث تم إقصاء جماعة الإخوان المسلمين من المعادلة الوطنية و السياسية و المجتمعية بالسجن و الإعدام و المطاردة تماما كما يحدث الآن فأدي ذلك إلي خروج الفكر المتطرف الذي أخذ يكفر الحاكم و المجتمع بل و جنح إلي أبعد من هذا إلي تكفير قياداته أنفسهم والذين جابهوا هذا الفكر بالفكر المعتدل وأصدر المستشار حسن الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين آنذاك كتابا بعنوان : دعاة لا قضاة وقد استطاع من الحد من هذا الفكر المتطرف وما ظهرت آثار هذا الفكر الذي تم استحداثه قسرا تحت التعذيب و القتل والتشريد إلا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات باغتيال السادات والأمر مكرور في يومنا هذا لأن الضغط وكبت الحريات ومصادرة الرأي واغتيال الرأي المعتدل وإزاحة يولد الإنفجار ويجب مجابهة الفكر بالفكر و الحوار الهادف والنقاش الواعى الجاد وليس بالآلة الأمنية والقمعية فهذا بلا شك سيقود إلي استنتاج هذا الفكر الذي يجر البلاد إلي مزيد من الفتنة والإحتراب الأهلي و تفكك الدولة و زعزعة الاستقرار و فقدان الأمن.

2 – فقدان الأمن و زعزعة الاستقرار و تفكك الدولة:

وهذا ما حدث و يحدث في العراق ، فلقد تحول الأمر إلي فتنة طائفية و احتراب أهلي بين السنة والشيعة وظهور الدواعش الذين ملأوا الدنيا قتلا و حرقا و زعزعوا ما بقي من استقرار وأمن المنطقة ولا أستبعد هنا نظرية المؤامرة من الأطراف الخارجية الفاعلة أصحاب المصلحة الذين يقومون بتمويل الدواعش ومدهم بالسلاح والدعم اللوجستي والإستراتيجي من خطط و تكتيكات ليستفيدوا منها في أماكن أخرى مثل مصر ومنطقة الخليج العربي كنوع من التحذير من اجتياح داعش لهم فتكون ذريعة لبسط الدول صاحبة المصلحة هيمنتها وسيطرتها علي ما تبقي من موارد في الخليج العربي وتتدخل باسم الخوف من الإرهاب في الوقت المناسب وكذلك لإضعاف دولة كانت قوية مثل مصر و تفكيكها كما فعلت في العراق و كما تفعل في سوريا و اليمن و ليبيا لصالح أمن إسرائيل.

والذي يمعن النظر في الوضع الحالي في مصر سيجد أن هذا المخطط تحقق بنسبة كبيرة حيث تم استنتاج العناصر المتطرفة في سيناء مثل أنصار بيت المقدس وولاية سيناء وغيرها بسبب الممارسات الخاطئة من تهجير أهلها و هدم بيوتهم و قتل أبنائهم و هؤلاء يعتمدون علي النظام القبلي الذي لا يقبل الظلم و لديهم أنفة وعزة نفس و يستطيعون الحصول علي السلاح والبيئة في سيناء بيئة خصبة لكل ذلك و هذا أثر من آثار الإزاحة للفكر المعتدل و انشغال الجيش بالسياسة و بعده عن مسرح العمليات الأساسي في حفظ الأمن و حماية الدولة من التفكك و تقطيع أوصالها.

3 – بقي الإحتراب الأهلي و هذا ما حدث في الجزائر أيضا و لكن في مصر يجب أن يعلم الداعون إلي التحول من المقاومة اللاعنفية إلي المقاومة المسلحة أن هذا الأمر تتحكم فيه أنظمة خارجية داعمة للإنقلاب بشتى صور الدعم المادي والعسكري والخططي والإستراتيجي ويجب أن يعلموا التباين في موازين القوى ومدي ارتفاع الفاتورة التي ستسددها كل الأطراف بما في ذلك من قتل للأبرياء و تشريد الأسر و نزوح القري و المدن بأكملها و توقف التعليم و الدخول في نفق التجهيل لسنوات طوال و الإخفاء القسري للآلاف وستكون هذه فتنة لا يعلم نهايتها إلا الله.

ولكن التحول من المقاومة اللاعنفية الناعمة الخانعة السكونية إلي المقاومة اللاعنفية الإيجابية الفاعلة فهذه بلا شك أخف وطأة من آتون الحرب الأهلية وتفكيك الدولة وزعزعة الأمن و الإستقرار و كل هذه من آثار هذا الأمر الخطير .

فلينتبه أصحاب السلطة في البلاد العربية الإسلامية لهذا الأمل أن الفكر الوسطي هو الحاضنة الإجتماعية للأمن وتماسك الدول و ترابط المجتمع المدني وهو العاصم من القواصم التي تراد لأمتنا وهو الكتلة الحرجة والصخرة الصلبة التي تتكسر عليها كل محاولات المتربصين بنا و بأمتنا و بأمننا و أماننا.

ولتعلمن نبأه بعد حين و صلي الله علي سيدنا محمد و الحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى