مرثيّةٌ لفارسِ القَصيدة

شعر : عبد الناصر صالح | فلسطين

( إلى روح والدي: الشاعر والمناضل والمربي الأستاذ ” محمد علي الصّالح ” في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيله التي صادفت اليوم 10/3/2021م )

ماذا يُخاطِبُكَ التُّرابُ ؟

لَعلَّ زَنْبَقَةً تَفيضُ على يَدَيْكَ

هل استراحَ النَّبْضُ فيكَ

وأكْمَلَتْ دَوَرانَها الأَرْضُ التّي ضاقَتْ

فأَشْعَلَتِ الغُصونَ

وأَطْلَقَتْ أنهارَها لِلقاءِ فارِسِها القَديمْ ؟

ماذا يُخاطِبُكَ التُّرابُ

سَرَقْتَ من عَيْني المواعيدَ المُصابةَ بالندَّى

وغَرِقْتَ في عِطْرِ القَصيدةِ

كيفَ يَسْري في عُيونِكَ زَنْبَقُ الوادي ؟

لعلَّ الشِّعْرَ يُنْقِذُ ما تَبقَّى من نَشيدِكَ

هل سَتَكْتُبُ مَرَّةً أُخْرى

لِعُصْفورٍ يُحّوِمُ حَوْلَ عَيْنَيْكَ /

الفَضاءُ مُشَرَّعٌ للبومِ والغِرْبانِ

فاقْرَأْ للعصافيرِ الصَّغيرةِ،

ما تَيَسَّرَ من جِراحِكَ

وانْطَلقْ.

يا أَيُّها القِدّيسُ

هذا صَوْتُكَ السّحريُّ يَجْتازُ الأُفُقْ

ويُعلّمُ الأشْجارَ فاتحةَ البَراعمِ

يُنْقِذُ العُمْرَ الجميلَ من الضَّياعِ

ويَنْثُرُ الحنّاءَ فوقَ رَبيعنا المقْتولِ

في سَيْفِ الخِيانةِ،

هل غَرَسْتَ على الشّواطيء رايةً

وغَسَلْتَ وَجْهَكَ بالبَشائِرِ

مِنْ غُبارِ الرّيحِ ؟

هل أَلْقَوْا عليكَ القَبْضَ

بَعْدَ مُظاهراتِ اليَوْم

هل عانَيْتَ خَلْفَ قتَامةِ القُضْبانِ

حينَ كَشَفْتَ للطُّلابِ خُبْثَ الإنْتدابِ

وسيّئاتِ الأَنْظِمَةْ ؟

///

لا زِلْتَ في عُرْسِ السَّنابِلِ

ذِكْريات تَمْنَحُ العُشْبَ الطَّريَّ

شُموخَكَ اليَوْميَّ

يا زَهْو التّلالِ الفاتِناتِ

ويا ابْتهاجَ الرُّوحِ في جَسَدِ البلادِ

ويا تَباشيرَ الصَّباحِ الغَضِّ

هل أَنْهَيْتَ في السّجْنِ الخِطابَ

وهل شَهْدتَ على جرائِمِهمْ ؟

كأنَّك تَمْنَحُ الأَسْماءَ رَوْنَقَها

فَلا تَبْخَلْ علينا بالقَصيدةِ،

يُولَدُ الوَطَنُ المُقاتِلُ من نَزيفِكَ

يَسْطَعُ القَمَرُ المُتَيّمُ

جَنَّةٌ مكْنوزَةٌ بالوَعْدِ قَلْبُكَ

لا تُفارِقْني،

سَنغْرَقُ في تفاصيلِ الكَلامِ

كأَنَّ صَوْتَكَ نَوْرَسُ الأَحْلامِ

شَلاّلُ النَّدى

فارْسِلْ يراعَكَ زَهْرةً عَبَقَتْ

بِرائحةِ الجِبالِ

قصيدةً من ماءِ روحِكَ

يا هَديرَ المَوْجِ

يا صَوْتَ الجياعِ

ويا نَبِيَّ الباحثينَ عن الحقيقةِ

هل يَموتُ الفارِسُ العَرَبيُّ

هل يَكْبو الحِصانُ

وهل يَغيبُ البَدْرُ في سُحُبِ الظَّلامِ ؟

تعالَ نُرْسي قَلْعةً للرّيحِ

نُعْطي للتُّرابِ مَذاقَهُ الوَرْديَّ

للبَحْرِ انفجارَ الماءِ

للشَّمْسِ انعكاسَ الضَّوْءِ في قَلْبِ الخَليقةْ.

///

وتعالَ نَقْرَأُ للمدينةِ سِفْرَها الأَزَليَّ

حَيْفا في يَدَيْكَ غَزالَةٌ

وعلى جَبينكَ نَجْمَةٌ سَطَعَتْ كَحَّدِ السَّيْفِ

كَمْ هَتَفَتْ ثِمارُ النَّخْلِ باسمكَ

واستَراحَتْ في ظلالِ عُيونكَ الأَمْواجُ

واحتَفَلتْ بكَ الأَصْدافُ،

هل أَلْقَيْتَ جَوْهَرَكَ الثَّمينَ أمامَها

وعشِقْتَ زَنْبَقَها المُسَرْبلَ بالندى والوَعْدِ ؟

حَيْفا مُهْرَةُ العِشْقِ الأَليفَةُ

طِفْلةٌ نَضَجَتْ على دقّاتِ قَلْبِكَ

واحتَوَتْكَ بِدفئِها السّريِّ

هل أَعْدَدْتَ للعِشْقِ المُسَيَّج

كَرْنفَالَ الصُّبْحِ

أَمْ ضَمَّدْتَ جُرْحَكَ في المساءِ،

وأَنْقَذَتْكَ فُسَيْفساءُ العُمْرِ من طَلَقاتِهِمْ

وحَماكَ زَيْتونُ الجَليلْ ؟

///

هذا دُخولُكَ في احتفالاتِ الصُّعودِ

ومهرجانِ اللّوْزِ

فاقْرَأ للسَّنابلِ قصّةَ الوَطَنِ الجريحِ

وللعناقيدِ النَّديَّةِ سورةَ التّكْوينِ

للمَطَرِ الطَّليقِ نَشْيدَهُ

لجداولِ الفَرَحِ المُسَلَّحِ

ما يُكابِدُ جِسْمَكَ المَنْفيَّ

من وَجَعِ التُّرابْ.

يا أَيُّها الجَبَلُ المُضَرَّجُ بالقُرُنْفلِ

لم يَجِفَّ الماءُ فيكَ

فكيفَ يَغْزوكَ اليَبابْ ؟

///

كم مَرَّةً سأَموتُ بَعْدَكَ

كم سَيقْتُلُني رَحيلُكَ

قُمْ إِليكَ

وقُمْ إِليّْ.

قُمْ للقصيدةِ مَزّقتْ أوْراقَها الأُولى

نهاياتُ الفُصولْ.

……….

سيرة ذاتية للأستاذ ” محمد علي ” الصالح ( أبو عكرمة )

من الرعيل الأول الذي ناضل وكافح إبان الانتداب البريطاني على فلسطين ، وقد تعرض للاعتقال والتعذيب والنفي عدة سنوات .

ولد في مدينة طولكرم عام 1907م . تخرج في الكلية الإسلامية في القدس عام 1927 م, و قد ساهم خلال دراسته في الكلية , و بالتحديد في العام 1925 , في تأسيس ” التجمع الطلابي الفلسطيني ” الذي شكّل النواة الأولى لإتحاد الطلبة الفلسطينيين, و إنتخب رئيساً له.

عمل رئيسا لتحرير صحيفة ” صدى العرب ” التي كانت تصدر في شرق الأردن ، وتوقفت عن الصدور بأمر الأمير عبد الله ، في حينه ، عام 1928م .

إنتخب نائباً لرئيس مؤتمر الطلبة العرب الأول الذي عقد في يافا عام 1929, ثم رئيساً للمؤتمر في الإجتماع الثاني الذي عقد في عكا, آب 1930م. و ضم عشرات الطلبة العرب الفلسطينيين من مختلف مناطق فلسطين التاريخية.

عمل محررا في صحيفة ” الجامعة الإسلامية ” ، حيث كان يكتب على صدر صفحتها الأولى مقالا يوميا بعنوان : ” حديث إلى الشباب ” .

أسس مدرسة الاستقلال في حيفا في العام 1933 . اعتقل ست سنوات في معتقل المزرعة في عكا خلال ثورة 1936 . وبعد خروجه من السجن فرض عليه أمر الإقامة الإجبارية في طولكرم ، ثم قامت السلطات البريطانية بنفيه إلى غزة, و منها إلى النقب.

أسس أول جمعية عمال فلسطينية في طولكرم عام 1943 و إنتخب رئيساً لها.

كان عضوا مؤسسا في حزب الاستقلال ، ورئيسا للجان القومية في الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني ، و عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في غزة عام 1948, ثم وزيراً للمعارف في حكومة عموم فلسطين برئاسة احمد حلمي باشا .

كتب الشعر الوطني المناهض للاستعمار البريطاني والداعي لتصعيد الثورة واستمرار النضال لطرد المستعمرين ، ولكنه لم يصدر مجموعة شعرية .

كتب عدة مقالات فكرية و ثقافية في الصحف والمجلات العربية آنذاك، طالب فيها بتوحيد العرب ورص صفوفهم لمجابهة أعدائهم ، وقد ذيّل بعض هذه المقالات بتوقيع : بدوي الوادي .

كان على صلة وثيقة بأقطاب السياسة والشعر والأدب في فلسطين أمثال : إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وعبد الرحيم محمود وحمدي الحسيني وأكرم زعيتر و سعيد بك العاص وسامي طه و أحمد الشقيري و محمد عزة دروزة و عوني عبد الهادي و محمد أديب العامري و فؤاد نصار و يعقوب الغصين و يعقوب العودات و بهجت أبو غربية و رشيد الحاج إبراهيم و عبد الرحيم الحاج محمد و الشيخ فرحان السعدي والشيخ عز الدين القسام وغيرهم من قادة العمل الوطني و النقابي و الثقافي في فلسطين قبل عام 1948م.

عيّن مديرا لمدرسة نور الدين زنكي في طولكرم حتى أحالته على التقاعد في العام 1971م . وقد انتخب منذ سنوات الخمسينات عضوا في المجلس البلدي في مدينة طولكرم أكثر من مرة . وهو والد الشاعر المناضل عبد الناصر صالح .

توفي الأستاذ محمد علي الصالح يوم 10/3/1989 م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى