المثقف و الإدارة
مصطفى معروفي | المغرب
أكدت التجربة بالملموس أن المثقف أحيانا لا يستطيع أن يسيّر دواليب الحكم،فبمجرد ما أن يتسلم الإدارة و يصير بيده اتخاذ القرار حتى تراه يلجأ إلى أساليب بيروقراطية لم يكن يؤمن بها من قبل.فالثقافة و إن كانت لها علاقة قوية بالسياسة فهي تبقى بمنأى عن الممارسة السياسية في الواقع العملي،و عليه فعبد ربه هذا يفضل شخصا متمرسا على أساليب الإدارة و التدبير كان متحزبا أو تكنوقراطا على مثقف بينه و بين الإدارة و شؤونها بون شاسع،لأن هذا الأخير ربما قد يهدم من حيث يظن أنه يبني.
أقول هذا الكلام و أنا أستحضر شخصيات يشار إليها بالبنان في عالم الثقافة ،هذه الشخصيات حينما وصلت درجة اتخاذ القرار الرسمي بالوصول إلى مركزه لم توفق في مجموعة من حالات اتخاذه ،فكانت الكارثة ،و كان أن اتحد المثقفون على اتخاذ موقف منها ـ من الشخصيات ـ فعاشت العزلة إلى أن تركت مفاتيح دار القرار و انسحبت أو سحبت من كرسي الحكم.
لا شك أن الشخصيات إياها لديها ما يبرر تصرفها ،فهي في نظري لم تتخذ قرارا إلا وكانت مطلعة على مضمونه و مدركة لعواقبه ،فلا قرار يأتي هكذا ضربة لازب و دون تدبر لما سيسفر عنه تنفيذه ،بيد أن قلة الخبرة و الاغترار بالرصيد الثقافي الذي تتمتع به جعلاها تعتقد أنها معصومة ،و في نفس الوقت جعلاها أقرب إلى التصرف العشوائي منها إلى بعد النظر و توقي ما يخل بمصداقيتها ككائن في حاجة ماسة إلى ما يبرر وجودها إداريا.بيد أن المرء لا يستغرب من الشخص الانتهازي أن يكون حربائيا ،يقول ما لا يفعل أو ما لا سيفعل،غير أنه إذا كان مثقفا له وضعه الاعتباري في المجتمع و يمتلك مصداقية بسبب هذا فالأجدر به أن يحيد عن كل ما يسيء إلى ماضيه ،و هو في دائرة القرار عليه أن لا يقدم على أية خطوة إلا بعد التمعن فيها و قتلها دراسة و تمحيصا،لأن القرار لا يعنيه إلا في جانب واحد ،و هو جانب المصداقية التي يحتاجها كل مثقف يعي ما معنى أن يكون مثقفا .
الشي المعيب في الإدارة بكل القطاعات التي تشرف عليها،هو أن من يرأسها يكون أحيانا مزاجيا ،بمعنى أنه يتصرف و كأن الإدارة إقطاعية خاصة به ، فلا يعير إقدامه على عملٍ ما فيها الاهتمام اللازم منه،و بذلك يكون قد أخل بشرط من شروط إتقان العمل و هو التريث و التشاورمع من له دراية بالمجال الذي تشرف عليه إدارته،بحيث يرى في ذلك نوعا من الاستخفاف بقدراته ، و تنازل يحط من قيمته ـ كذا ـ فتصور له نفسه أنه قادر على حل المشاكل و لا يحتاج إلى من يؤهله لحلها.
من هنا كنت أومن و ما زلت أومن أن القطاعات التي تهم المواطن بالأساس و خاصة في حياته اليومية كالتعليم و الصحة و الفلاحة و غيرها ينبغي أن تناط بأشخاص إداريين تتوفر فيهم شروط النزاهة و المهنية ،و ليس بالضرورة أن يكونوا مثقفين ،فالثقافة وحدها في نظري ليست مقياسا للحكم على الشخص بأنه سيكون قادرا على تدبير شؤون ما يوكل إليه من مرافق إدارية،و لذا أدعو المتنطعين إلى الكف عن ادعاءاتهم الفارغة و ترهاتهم المجانية و هم يرون في المثقف الحل الأمثل لكل معضلاتنا الاجتماعية و الاقتصادية إذا أعطيناه فرصة تبوئه كرسي القرار،و لينقطعوا عن تهافتهم و زعمهم أن سياسة الدولة ما فشلت إلا لأنها لا تستشير في أمورها المثقف ليقدم لها النصائح و يهديها سبيل الرشاد.
الثقافة وحدها بمعزل عن الإدارة ،و حبذا لو اجتمع في الشخص الواحد المثقف و الإداري.