أيقونة التحدّي والعطاء
اشتياق آل سيف | المملكة العربية السعودية
تلك كانت طفلتي الثانية في البنات بترتيب الرابعة بين إخوتها التي عانقت نور الحياة يوم الاثنين التاسع من شهر يناير الموافق للشهر الثامن الهجري شعبان تمام الساعة الثانية عشرة.
قدمت سندريلا العطاء والإرادة الفولاذية في توقيت زمني ملؤه التحدّي وأنا أقاتل كي أحقّق النجاح في خضم امتحاناتي للسنة الثانية في كلية الآداب بالدمام وكأنّ التحدّي قد انتقل من المولودة للوالدة وزادني ميلادك السعيد قوة وصلابة وقرّرت أن أواصل أداء امتحاناتي النهائية لتلك السنة فلم يكن في سلّم اهتماماتي شيء أهمّ من ضرورة إكمال دراستي والحصول على شهادة تمكنني من العيش بكرامة العمل وأداء دور اجتماعي في وطن أعشق كوني فرداً من أفراده.
ولأنني كنت أستعدّ في الإجازة للانتقال لمسكن جديد ومستقل لذلك آثرت أن أغالب أوجاعي ومعاناة قدومك للحياة و اتّجهت إلى مقرّ دراستي بعد ثماني ساعات أمام استنكار شديد اللهفة من والدتي ووالدك خشية أن يصيبني أذًى كالتداعيات الجسدية التي تحدث بسبب عدم الاكتفاء بالراحة لا سيّما الأيام الثلاثة الأولى، لكنّني ورثت من أمي وأهلي جميعاً تلك القوة التي كانت تجعلهم يضعون الطفل صباحاً ويعدُّون طعام الغذاء بعد ساعات ويقومون بكلّ أعباء المنزل واحتياجات بقية أفراد الأسرة والعهدة على الناقل ممن كان يحكي لنا حكايات الجدّات المكافحات.
لقد كان ميلادك راية التحدّي ومقدم الخير وبداية تحقّق الأحلام، ولا يزال نهر الخير ينبع من تحت قدميك فيسقي جدب الأرض ويزهر الياسمين بجمال عطائك.
فخورة أنّ لي قطعة من نفسي أصبحت أفضل منّي في كثير من الأمور وعلّمتني بكفاحها ما ألهمني على مواصلة المسير ولا تزال تفتح لي آفاقاً من مكنون تجاربها في حياة الغربة وعلمها المتطور إلى شهادة ستصبح فخرها وإنجازها الذي سبقته إنجازات العطاء وهبة الحياة إلى من أصبحت نصفها الآخر وتوأم روحها.
حين يأتي ميلادك لا يمكنني إلّا أن أنثر ذكرياتي المميّزة فيه، تلك الانطلاقة التي نفعتني بقدر ما أوجعتني، ذلك الإنجاز الذي لا يمكنني التغافل عنه، وتلك المشاعر الموحدة بيننا في أغلب الأشياء، وهذا ما يشعرني أنك نسختي المطورة والمحسّنة باحتراف، فأنت لا تشبهينني في الملامح فقط بل إنني أشعر أنك ذلك الذي يطلقون عليه شبيه الروح.
كلّ عام وأنتِ تاج أتقلّده بكلّ فخر.
كلّ عام وأنت ابنتي المهندسة الناجحة القادمة من غربة المعاناة ولوعة الوحدة ولهفة الحنين للأهل والوطن.
كلّ عام وأنا أراقب نموّك العقلي وذكاءك العاطفي وحماسك المهني.
كلّ عام وأنا أتبعثر حنيناً لرؤيتك واشتياقاً لعودتك.
كلّ عام وأنتِ صغيرتي السّمراء.