كلسترول الطرب المزيف
توفيق أبو شومر | فلسطين
إليكم هذه الأنغام الراقصة:
“ما اتمرش فيه الشوكولاته، جابلي الحكاية على بلاطة.”
“بِتاكل حِتة شوكولاته، وبتشرب مانجه بشفاطة”
“لضرب بالموس والمكحلة والكابوس”
معنى المكحلة: البندقية، ومعنى الكابوس: المسدس
“دق الباب وجانا، أنا جريت ليهو حفيانة”
المقطع الأول والثاني، أغنية مصرية مشهورة، أما المقطع الثالث، فهو مقطع عاطفي جزائري!!
أما المقطع الثالث، فهو مقطع سوداني راقص!!
إنها ألحان من هذا الزمن الثقيل، زمن التلوث العاطفي والعقلي والثقافي والفكري.
لن أسرد فقراتٍ من ألحان الزمن الجميل للمغنين والمغنيات، لمقارنتها بألحان الطرش الثقيل !!
عَتِبَ عليَّ أحدُهم وأنا أنتقد (سندوتشات الفنون السريعة) المحشوة بكلسترول الطرب السامِّ، وبهارات موسيقى الطرش، وأصباغ سرطانات الفنون، وسِمنة الترهُّل الوجداني، في محاضرةٍ من محاضراتي، وقال:
دع الناس يرقصون ويطربون، حتى وإن كان طربهم تافها، وفنونهم هابطة رديئة، ولا تلتفت إلى الكلمات، وتحاكمها بذائقةٍ أدبية وفنية، فعصرُكم الغابر، ليس كعصرِنا الحاضر!قلتُ:إذا كانت برامجُ التعليم، وطرُقُه مسؤولةً عن صياغة ثقافة الأمم، فإن الفنون هي التي ترتقي بهم، وتعزز مستقبلهم، وتُشذِبُ عواطفهم، وتجعلهم قادرين على الإبداع والإنتاج والتميز والتفوق.
فلم تكن مقولة: “أعطني مسرحا وفنا، أعطِك شعبا واعيا ومنتجا” مقولة هامشية، بل إنها حكمة أزلية، يجب أن نرفعها كشعارٍ رئيس لنؤسس البنية الأساسية للنهضة.
يخطئ كثيرون عندما يظنون أن رافعة النهضة والتفوق، هي مجموع ما تملكه الشعوبُ من ثروات طبيعية، وبيئات جغرافية، وأعدادٍ رقمية، إن الرافعة الأساسية للنهضة والتفوق، هي ثقافة الأمم، التي تشمل مجموع فنونها، وتراثها المحكي والمكتوب، وقدرتها على إعادة صياغة هذا التراث، لتجعله رافعةَ رقي وتفوُّق.
والشرط الوحيد لنهوض الأمم وجود استراتيجيات ثقافية، تبدأ من برامج التربية والتعليم، والنهوض بالمدارس والجامعات والمعاهد، لا لكي تُعزِّزْ هذه الأممُ مخزوناتِها الاستراتيجية من موظفي (الميري)، موظفي الحكومة، ولا لكي تضع تراثها المعرفي والثقافي والفني في صناديق أرشيفاتها، ومعارضها الجامدة؛ بل لتعيد صياغة هذا التراث المعرفي من جديد في قوالب فنية جديدة، لها أهدافها الاستراتيجية، ذات غاية رئيسة؛ وهي تأسيس مشروع نهضوي وإبداعي، ولعلَّ المعول الرئيس لهذا الهدف، هو الفن الجميل، وليس (الفن) الزائف الثقيل!!
إن ألدَّ أعداء الثقافاتمن مشجعي التفاهات هم حكام الديكتاتوريات، ممن يؤمنون بأن بقاءهم فوق رقاب شعوبهم، يعتمد على نشر الجهالات، وتشجيع فنون السخافات!!