بلدية الاحتلال تلاحق المقدسيين الفلسطينيين عبر مخالفات مرور وبناء مزعومة
المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين
دأبت بلدية الإحتلال في القدس في الأسابيع الأخيرة بملاحقة المقدسيين بكثافة ملحوظة في جميع القطاعات وفي جميع الساحات والشوارع والأماكن، وبخاصة قطاعي المرور والبناء. وشددت حملاتها بطريقة عنصرية تمييزية واضحة ضد السكان الفلسطينيين في شرقي المدينة المحتلة، تماما كما حصل في موضوع الكورونا، وقيام الشرطة الإسرائيلية بمخالفة الفلسطينيين أكثر كثيرا من الإسرائيليين . وما انفكت سلطات البلدية تلاحق المقدسي الفلسطيني في كل صغيرة وكبيرة من شؤونه، وبخاصة في شارعه الذي لم يشهد أي تحديث أو تجديد طيلة خمسة عقود من الإحتلال، حيث تختبىء وتقوم بتصويرالمقدسي الفلسطيني بصورة احتيالية، إذا توقف للحظة في أحد الشوارع الضيقة بطبيعتها، ويتم تصويره من دون علمه، ويساق لمحاكمة غيابية، حيث ينشط المحضرون المزورون المنتفعون ويوقعون بالنيابة عن الشخص ليكسبوا المحاكمة شرعية غائبة، وتصدر مذكرة جلب وإحضار للمقدسي وتوزع على دوريات الشرطة للقبض عليه بدون سابق إنذار. وتتم تقديم لائحة اتهام ضد المقدسي الغافل عما يجري، ويلهث مذعوراً لإبطال مذكرة الجلب، وتوكيل محام ودفع أتعاب في المخالفة المرورية التي لا يستطيع ردها فهي مصورة موثقة، وبالتالي تفرض عليه غرامات عالية بموجبها ونقط تستدعي دورات وسحب الرخصة ذاتها، وتستمرعقد المحاكمات الغيابية وحجز أموال المقدسيين لجريرة لم يرتكبها بل لم يعط فرصة الدفاع عن نفسه لنفيها في وجه مفتشين مخولين صلاحية الشرطة، منتفعين مرتزقين، لا يرحمون، بل ينتقمون من الوجود المدني الفلسطيني المقدسي، بحجة الإخلال بالمرور أو مجرد التوقف القصير لالتقاط صديق أو قريب والشخص لا يعلم بأنه صور وترسل له المخالفة بالبريد المزدحم المكتظ ومجرد زيارته لوحده معاناة وكرب . هذه معاناة شديدة جديدة لم يعهدها المقدسي سابقا في قطاع واحد حياتي حيوي ألا وهو قطاع التنقل على يد بلدية القدس ومفتشيها التي تبدي استمتاعا بها، وهو أمر ينبىء بسياسة جديدة ضد المقدسيين الفلسطينيين بهدف زيادة معاناتهم وإفقارهم.
يعترف المقدسيون الفلسطينيون أن أس البلاء يكمن في الإحتلال الإسرائيلي عام 1967 وضم القدس ، للكيان الإسرائيلي. ويشكو المقدسيون مر الشكوى من عنت وتسرع وظلم وإساءة استعمال الصلاحيات والقوة للمفتشين البلدييين الذين منحوا صلاحية الشرطة المرورية. فترى مخالفات على سيارات لا يجب أن تخالف كأن قد وضعت ساعة عدادها ورغم ذلك تخالف أو في مكان صحيح. وبعدها تبدأ مسيرة التوهان للمواطن المقدسي الفلسطيني بحيث يطارد ليثبت براءته من دم يوسف . بكلام آخر يطارد المقدسي المكاتب ليثبت أن ساعة العداد الخاصة به كانت تعمل وقرر المفتش تجاهلها بدون سبب سوى إهماله وتعنته. وحينما يحصل على الدليل لا تقوم البلدية بإلغاء المخالفة بل تطلب منه طعنا بهذه المخالفة كأسلوب تعجيزي، فما على المقدسي الفلسطيني سوى الإلتجاء لمحام حتى يكتب له الطعن ويتقاضى أتعابه. وبعد ذلك ينتظر لجنة طعونات لتقرر في طعنه ويأخذ هذا منه وقتا أقله عام من الترقب والإنتظار لتعطى الجواب سلبا أو إيجابا. وكثير من الناس تؤثر اختصار هذا الطريق الصعب الذي يستغرق زمنا وجهدا ومغامرة لئلا تتضاعف الغرامة بالقيام بدفع الغرامة رغم عدم أحقيتها. والمقدسيون وغيرهم من الفلسطينيين مقدمون في الزمن القريب على الشهر الفضيل وصلاة الجمع والتراويح مما يفتح الباب واسعا لمزيد من الغرامات والملاحقات إن بقيت هذه الممارسات، في زمن تلاحق فيه الزمن لتؤدي فرضا إيمانيا في شهر فضيل.
أما في القطاع الثاني الذي هو قطاع البناء، فالمعاناة للمقدسي الفلسطيني اشد إيلاما وأكثر وجعا في جميع أرجاء المدينة، فليت المقدسي يخطط التنظيم له كما هو حاصل في رام الله والبيرة وبيت لحم وليته يدفع الرسوم البلدية التي فرضها القانون الأردني. لكن البلدية المحتلة وفقا للقانون الدولي الإنساني أو حقوق الإنسان فرض عليها وجعل من واجبها عليها التزام بإسعاد حياة المواطن وتسهيلها، بغض النظر عن دينه وعرقه ولغته وجنسه وأصله الإثني ورأيه السياسي وتنظيم الأحياء وترخيص السكن وإعمال المجاري وإبعاد القاذورات عن البيوت والشوارع، لكن بلدية الإحتلال تقوم بعكس ذلك تماما وتدعي وتتظاهر بأنها تقدم الخدمات البلدية وتضع اليافطات الكاذبة لتؤكد ذلك. فهي لا تنظم ولا ترغب في التنظيم والشوارع كما هي منذ عام 1967 ليومنا هذا، بعكس غربي المدينة التي تنتعش وتزدهر، وكأن الوجود المادي المحسوس للمواطن المقدسي الفلسطيني بدون سعادته غدا ألّد أعدائها وخصومها. فهي تلاحقه رغم تقصيرها في كل القطاعات في كل صغيرة وكبيرة. وما أن يضع المقدسي طلبا لترخيص حتى تثار أمامه كل عقد الدنيا من ملكية لتنظيم لنسبة بناء لاستملاك أربعين بالمائة من البناء المقترح أو الأرض المنوي البناء عليها وآخرها الرسوم التي وصلت عنان السماء بل سبقت كل بقاع الأرض قاطبة. ولا تنظر البلدية نظرة عطف أو تضامن لمثل هذا الطلب للبناء بل هي تعيقه قدر استطاعتها من أجل هدف سياسي واضح متمثل بالتطهير العرقي فهي لا تود رؤية فلسطينيين مقدسيين في القدس بل تود رؤيتهم خارجها أو أن تبتلعهم الأرض كما حلم رابين بابتلاع البحر لأهل غزة. وما أن يحصل المقدسي على رخصة بناء بكده وعرقه وجهد وادخاره طيلة عمره، حتى يدخل في سباق مع الزمن وكيفية توفير قرض بناء بدون فوائد ربوية. أما إذا منع المقدسي الفلسطيني من الترخيص لعدم التنظيم لأي سبب، وقرر البناء لأن الأرض المجاورة التي استولت عليها الحكومة الإسرائيلية أو جمعية استيطانية يتم البناء عليها ولا يحاسبون، ولعل ما تقوم به جمعية إلعاد من بناء حجري وحديدي في وادي حلوة خير دليل على هذا الكلام بل تقوم جمعية إلعاد بشراء أبنية غير مرخصة ويفترض أن تكون معرضة للهدم وفق معايير بلدية القدس. أما أنت أيها المقدسي فإن وضعت لبنة أو خشبا أو خيمة أو حديدا أو حفرت أو رفعت فسرعان ما تخالف ويصدر قرار بالهدم بموجب قانون كيمينيتسر مقرونا بغرامة عالية يصعب تسديدها طيلة حياتك، وتهدَد إن لم تهدم بنفسك بسجنك، ويتم تقدير قيمة الهدم وفق الأسعار البلدية الإسرائيلية، كوسيلة لإذلال المقدسي الفلسطيني.. بل وصلت عدم الإنسانية والظلم حدا لا يطاق، فحينما يتم الإستيلاء على عقار وأرض المقدسي الفلسطيني بدون أي تعويض ويبنى عليه عقار جديد متعدد الطوابق للإسرائيليين فقط ، لا يستفيد صاحب العقار المقدسي الفلسطيني من غرفة ولا شقة في العمارة الجديدة لا بيعا ولا تأجيرا ولا منحة ولا تحكيرا مع أن البناء تم على أرضه المصادة ولكن لإسكان الغير الإسرائيلي. ولو تم هذا الأمر في أية دولة أخرى لنال صاحب العقار ثلث أو نصف ما يقام على الأرض من بناء.
ناهيك عن توهان المقدسي البسيط الذي ورث أمتارا معدودة ليقيم عليها بناء متواضعا ولو كوخا خشبيا، ومشقته في البحث عن وسائل للموئل والمسكن يقيه الحر اللافح والبرد القارص . وليت الأمر يقف عند هذا الحد من الظلم، فحتى غرامات البناء التي تجبيها بلدية الإحتلال وهي تقدر بأكثر من مائة مليون شاقل تستعمل لإثراء صندوق بلدية القدس ومشاريعها في غربي القدس. ولو كانت البلدية صادقة فيما تطلقه من تصريحات لتسهيل حياة المواطنين المقدسيين، لوجهت ما تجبيه من غرامات البناء غير المرخص نحو تنظيم المناطق غير المنظمة في القدس بعد خمسين سنة من احتلالها. لو كانت صادقة لقامت باستغلال أموال جباية الأرنون على شرقي القدس وشوارعها ومجاريها. لو كانت صادقة لخصصت في موازنتها نسبة بحسب عدد المواطين المقدسيين في القدس أي نسبة أربعين بالمائة وقامت بصرفها على القدس وتحسين خدماتها بدل أن تصرف فقط خمسة بالمائة أي أقل مما تجبيه من الأرنونا لوحدها.
وكأن القدر تكفل بالرد على عنصريتهم وتطهيرهم العرقي، حينما حج الفلسطينيون من كل حدب وصوب، لمهوى أفئدتهم بمناسبة يوم الإسراء والمعراج، حيث توافد فلسطينيو الضفة والداخل لقدسهم، والتحموا بشعبهم المقدسي، وانتشروا في شوارع وأزقة القدس العتيقة ليؤكدوا عروبة هذه المدينة في وجه تصريح قميء جاهل عنصري لرئيس الوزراء الفرنسي أشار فيه إلى أن القدس عاصمة اليهود الأبدية. تأكيد على عروبة القدس الأبدي في وجه احتلال استيطاني كولونيالي إسرائيلي مؤقت.
حينما تقام بلدية لمدينة ما أينما كان في هذا العالم الواسع، يوكل لهذه البلدية تقديم خدمات بلدية لسكان هذه المدينة مثل التنظيم والبناء والطرق والصحة والتعليم والمجاري، بل والتقدم في تحسين هذه الخدمات. لكننا نحن الفلسطينيين جوبهنا بخدمات معكوسة أساسها التطهير العرقي من هذه المدينة المقدسة عبر تعقيدات جميع المهمات الأساسية والحيوية لأية بلدية، وقد كان ذلك واضحا ومرسوما ومخططا من عام 1967 وشرحه بالتفصيل أمير حيشن في كتابه حينما كان مستشارا لرئيس بلدية الإحتلال آنذاك تيدي كوليك وخلفه إيهود أولمرت حتى لا يدعون ألنفي والجهل . لقد نما سكان القدس بنسبة خمسة أضعاف فقد كانوا عشية الإحتلال حوالي سبعين ألفا، واليوم هم جاوزوا 350000 فماذا نما في القدس الفلسطينية وكم كانت نسبة النمو في القدس الشرقية. نظرة بسيطة على رام الله البيرة وبيت لحم لنتحقق مدى الفارق النوعي رغم فارق الثراء. ليتهم يردون، ليتهم يتوقفون عن مطاردة المقدسي وفرض الغرامات الباهظة عليه، فهذه سياسة أثبتت فشلها وعقمها وعدم جدواها، فنحن باقون هنا ما بقي الزعتر والزيتون!!!