قنوات بيع الوهم
د. إبراهيم خفاجة
يلعب الإعلام بوسائله الحديثة دوراً كبيراً في تغيير الثقافات وأنماط الحياة، وتوجهات الرأي العام، سلباً وإيجاباً، وأصبح العالم بفضل التقنيات الإعلامية ووسائل الاتصال الحديثة قرية صغيرة ترى أطرافها من أي مكان على سطح المعمورة، وأضحى بالإمكان مشاهدة الأحداث المختلفة في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها في آنٍ واحد.
وتأتي الإعلانات التجارية لتشغل حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام الحديثة، حيث يحرص أصحاب الشركات التجارية على وصول منتجاتهم إلى أكبر قدر ممكن من المستهلكين، طمعا في تحقيق أكبر قدر من الربح، كما يحرص القائمون على المؤسسات الإعلامية على استقطاب هذه الشركات للإعلان عن منتجاتها من خلال وسائلهم الإعلامية المتنوعة من صحافة وتلفزيون وقنوات فضائية ومواقع على شبكة الإنترنت… إلخ، وتتبارى هذه المؤسسات فيما بينها في تقديم أفضل العروض للشركات المنتجة، وتقديم المنتجات في أحسن وأبهى صورة وبطريقة تغري المشاهدين – أقصد المستهلكين – وتشجعهم على التهافت لشراء هذه المنتجات، وبذلك تضمن دخلا ماديّاً كبيراً تحصل عليه من عرض تلك الإعلانات، وهو حق مشروع في عرف جميع وسائل الإعلام الحديثة على مستوى دول العالم، ومصدر مهم من مصادر التمويل المادي.
وإذا كانت مؤسسات الإعلام تتباري في إبراز المنتجات في صورة جيدة لتستقطب أكبر قدر من الإعلانات التجارية، وتستعين بأكبر المخرجين وأشهر المصورين والممثلين لإنجاح هذا الأمر، فإن الشركات المنتجة تتبارى أيضا فيما بينها في تقديم منتجاتها، من حيث الجودة والسعر، والشكل، وطريقة العرض، والتغليف، بل وخدمات الصيانة والتوصيل المجانية للمنازل، وتعريف المستهلك بالسلعة وطريقة استخدامها، وكيفية الحصول عليها، وأرقام وطرق الاتصال بالموزعين ونحو ذلك.
إن مناسبة هذا الكلام ما رأيته من زخم إعلامي في وسائل الإعلام العربية المختلفة المقروءة والمسموعة، من حديث حول بعض العلاجات العشبية والخلطات السرية التي يروجها مدعو الطب، والادعاء بأنها قادرة على شفاء أمراض مستعصية ومزمنة، كمرض السكري، أو السرطان، أو العقم، أو حتى الصلع والضعف الجنسي، أو أنها تعيد الشباب وتصلح ما أفسدته الأيام، بل وصل الأمر إلى الادعاء بأن تلك الخلطات صيدلية متكاملة تشفي جميع الأمراض المستعصية التي احتار العلماء والباحثون في التوصل لعلاج شاف لها، وما هي إلا خليط غير متجانس من الأعشاب والمواد الكيماوية، وبعض القاذورات وفضلات الحيوانات، لا يعرف من قاموا بإعدادها أي شيء عن خصائص مكوناتها العشبية، تؤثر بالسلب على الصحة، وتقود حتماً إلى الموت بدلا من الشفاء، أو على أقل تقدير تؤدي إلى الإصابة بالتسمم نظرا لاحتوائها على مواد عالية السُّمِّيَّة، وتزيد من مضاعفات المرض، ولأن المرضى وخاصة البسطاء منهم يتعلقون بأمل الشفاء والتخلص من الآلام، فإن كثيراً منهم يقعون فريسة سهلة لهذا الوهم الزائف.
وهذا الكلام ليس ادعاءً أو تجنياً، بل هو ما أثبتته مختبرات الأبحاث عندما قامت بتحليل كثير من تلك المنتجات. ومع ذلك ما زالت بعض وسائل الإعلام العربية تبرز هذه المنتجات على أنها الحلول السحرية لما نعانيه من مشكلات صحية، غير آبهة بنتائج المختبرات ولا بصحة المستهلك وسلامته، ولا القوانين التي تحظر مثل هذه المنتجات الضارة، ولا حتى أخلاقيات العمل الإعلامي!!.
والأعجب من ذلك أن تلك الوسائل تستعين ببعض المأجورين لترويج تلك المنتجات والادعاء بأنهم جربوها على أنفسهم وأتت معهم بنتائج ليست جيدة فقط، بل رائعة، وساعدتهم على الشفاء التام من تلك الأمراض، والنتيجة هي مزيد من التضليل والكذب، ووقوع المشاهدين في الفخ، والانخداع بهذا الوهم واستنزاف صحتهم قبل نقودهم. وهكذا أصبح كل من أراد أن يروج سلعة كاسدة أو منتجاً فاسداً يدعي بأن منتجه يشفي من كذا وكذا، ويحمي من الإصابة بكذا وكذا، وأنه خضع للبحث والتجريب في مختبرات شركات كذا وكذا العالمية…!!.
ومما يزيد الطين بلة أن بعض القنوات والوسائل الإعلامية التي تحظى بقبول ودعم جماهيري كبير بدأت هي الأخرى تسلك هذا المسلك وتعلن عن بعض المنتجات مجهولة الهوية في غياب من الرقابة الإعلامية والصحية الأمر الذي يعرض صحة المشاهدين من جميع الفئات والطبقات للخطر… وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول: «حسبنا الله ونعم