أهل النار
د. خضر محجز | فلسطين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ، في بَطنِ أمِّهِ، في أربعينَ يوماً. ثمَّ يَكونُ علقةً مثلَ ذلِكَ. ثمَّ يَكونُ مضغةً مثلَ ذلِكَ. ثمَّ يرسلُ اللَّهُ إليهِ الملَكَ، فينفُخُ فيهِ الرُّوحَ، ويؤمرُ بأربعٍ: يَكْتبُ رزقَهُ، وأجلَهُ، وعملَهُ، وشقيٌّ وسعيدٌ. فوالَّذي لا إلَهَ غيرُهُ؛ إنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ، حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ، ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ، فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ، فيدخلُها. وإنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ، حتَّى ما يَكونَ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ، ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ، فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ، فيَدخلُها” متفق عليه.
هؤلاء هم المغضوب عليهم حقاً: بدأوا رحلتهم مؤمنين حقاً، وكرهوا ما رأوا من الباطل الطاغي حقاً، وأقاموا أنفسهم على الإيمان حقاً، فرفعوا الشعار ليحققوا إيمانهم ـ في المجتمع ـ وبه حقاً. تحققت لهم بالشعار سلطةٌ حقاً، وقد انتووا أن يقيموا بها الحقَّ حقاً، فَمَلَّكهم اللهُ من ملكه ما يشاء، لينظر كيف يعملون. لقد صاروا الآن الأمناء على أموال الناس وأعراضهم، فبدا لهم أنهم نالوا ذلك بالحق. وإن الشيطانَ لَيُزَيِّنُ كل فوز في قلوب أوليائه، حتى يروه من الله نصراً. والله ينظر إليهم، ويعلم ما لا يعلمون من قلوبهم.
فلما نالوا ما أرادوا، قالوا: قد حان الوقت، لنستريح من وعثاء العبادة، إلى قليل اليسر، فننتفع بما انتفع به ملوك صالحون في زمن نراه جميلاً. قالوا في أنفسهم: فَلْنَنَلْ قليلاً من الأجرة على الجهد. والله ذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يعلمون. قالوا: نحن نعلم فضل الله، ونقسمه بما يساوي ما فعلناه. فأخذوا القليل، وفي نيتهم أن لا يتجاوزوا.. لكن القليل من النوال بعد طول المنع ممتعٌ. فصاروا يتوسعون، وانتقلوا من سد حاجتهم إلى الرفاهية، ثم البذخ، ثم الترف، ثم عدم الخجل مما يرون في أعين الناس.
فهم الآن يواصلون نسيان أنهم نسوا ما ذُكِّروا به، وذَكّروا به؛ ويُسَجَّلَ الآن في صحائف أعمالهم. قد فتح الله عليهم أبواب كل شيء، بما نظر في قلوبهم من كل شيء سواه. ثم أخذهم بغتة فإذا هم مبلسون: فوجئ المساكين بالموت، وقد عقد الله قلوبهم وألسنتهم عن النطق بـ”لا إله إلا الله”.
سيصلي عليهم الناس، ويذكر أمثالُهم أخبارَ إحسانهم، ويرددون شعاراتهم التي نسوها منذ زمن، كما لو كانت باقية من وراء ما فعلوا. سيذكرونهم في العلن، ويَتَرَحَّمون عليهم، وينقسموا ـ سراً ـ في مصيرهم، تبعاً لما كتب الله من المصير في قلوب الأمثال الذين يترحمون الآن، عملاً بقوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً﴾ (الإسراء/84).
يترحمون عليهم والمتوفون والأحياء في النار، بعضهم فيها منذ الآن، وبعضهم يغذّ السير إليها باجتهاد. كل ذلك يحدث والمظلومون خائفون يُصَلّون على أهل النار وهم لا يعلمون، مع أن قلوبهم تقول في الصلاة: إلى جهنم.
هؤلاء هم المغضوب عليهم حقاُ، مثل أمثالهم من قوم موسى، فرحوا بموسى، وعرفوا منه الحق، فاستغلوا ما عرفوا لينالوا به الباطل. قد عرفوا وأنكروا ما عرفوا، وقد انتووا أن يقولوا لله: نحن القوم الذين فضلتهم العالمين.
ولكنهم في جهنم خالدون. اللهم بعدد الجائعين والمظلومين فالعنهم لعناً كبيراً.