إذا صلُحت النوايا نزلت العطايا و رُفِعَت البلايا

دكتور عادل المراغي| أكاديمي وأديب مصري
من فقه الإمام البخاري الذي لا نظير له أنه صدر كتابه صحيح البخاري بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)
وهذا الحديث يعد ربع الإسلام
عمـدة الـدين عـندنـا كـلمـات
أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما
ليس يعـنيك واعـملن بنية
فقد تكون نية المرء خير من عمله لما في النية من أهمية بالغة ، كما صح في الحديث (إنما ترزقون وتنصرون وتؤجرون بنياتكم) وفي رواية علي نياتكم ترزقون ، ومن وصايا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لولده( يا بني انو الخير فإنك علي خير ما نويت الخير)
ومما يدل علي خطورة النية ما يحكي من قصة رجل مات في مسجد فدخل النار ورجل آخر مات في ملهي من الملاهي الليلية فدخل الجنة ،
أما عن قصة الأول فهو دخل لسرقة المصلين فمات علي معصية فدخل النار مع الداخلين وأن كان في ظاهر الأمر أنه وجد مع المصلين ،وأما الآخر فدخل الملهي ليعظ الناس فمات علي طاعة فدخل الجنة ويصدق في هذا وذلك حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم، وآخرهم، قالت: قلت يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
ومما يدل علي خطورة النية أنها تحول العادة إلي عبادة، وباستطاعة المسلم منا أن يجعل حياته كلها لله ،نومه لله كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه إني لأحتسب نومي كما أحتسب قيامي)
ويحتسب طعامه وشرابه لله،كمايحتسب عمله وسعيه علي أولاده لله ،فقد أخرج المنذري في الترغيب والترهيب (أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا يا رسول الله ! لو كان هذا في سبيل الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله , وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله , وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله , وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان )
فتأمل كيف جعل النبي عليه الصلاة والسلام , السعي على الأولاد وهم صغار في سبيل الله وصاحبه مأجور عليه, والسعي على الأبوين الكبيرين في سبيل الله ومما يتقرب به إلى الله , والسعي على النفس ليعفها في سبيل الله ،وانظر كيف صحح المفهوم لدى صحابته رضي الله عنهم أن سبيل الله ليس محصورا في الخروج للقتال فقط , بل هو واسع وشامل بسعة هذا الدين العظيم وشموليته بشرط صلاح النية.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ الغزالي رحمه الله كلاما يكتب بأحرف من نور علي نحور الحور (إن القطرات التي تنزل من جبين العامل في معمله أحب إلي الله من القطرات التي تنزل من عين العابد في محرابه)
وأيا كان هذا العامل الذي أشار إليه الغزالي رحمه الله سواءً أكان طبيبا في المستشفي يمتثل قول الله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)
أو ضابطاً أو شرطياً يحمي ثغور الوطن ،يسهر لينام الناس ويخاطر بنفسه ليأمن الناس ،
أو عاملاً للنظافة قام بدوره في بناء هذا الوطن ،أومدرسا قام بدوره في تعليم أبناء هذا الوطن
فالوزير في وزارته والمهندس في مكتبه ،والطبيب في عمله والداعي في مسجده ،والإعلامي في برنامجه ،والصحفي بقلمه،. والقاضي في محكمته ،والمدرس في مدرسته والمزارع في حقله والطالب في مذاكرته ،القطرات التي تنزل من جبين هؤلاء- إن قصدوا الخير- أعظم من الدموع التي تنزل من عين العابد في محرابه،لأن العابد لا ينفع إلا نفسه وهؤلاء يسهمون في بناء الوطن (وأفضل الناس عند الله أنفعهم للناس)
ومما يدل علي خطورة النية أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة : قارئ القرآن المرائي، والمتصدق المرائي، والمجاهد الذي قتل وراءي بجهاده.
فكم.من قتيل في سبيل الله لاحظ له في الجنه ؟!
ومن أروع ما ورد في بيان خطورة النية حديث،قاتل المائة فقد نوى التوبة ولم يعمل حسنة قط فدخل الجنة.
ومما يدل على أن سوء النية سبب الآفات والهلكات والبليات والنكبات، قصة أصحاب جنة الموصل في سورة القلم، فقد بيتوا النية لقطع المعونة عن المساكين بالليل فأحرق الله حديقتهم مع شروق الشمس.
فتأمل كيف أن سوء النية أحرق الأخضر وجعل الجنة الخضراء صحراء قاحلة سوداء كالليل البهيم، وقد رصدت عدسة القرآن وصورت هذه اللقطة بكل دقه قال تعالي (فأصبت كالصريم) أي الليل الأسود المظلم
فأصلح نيتك يصلح الله لك حياتك ولا تكن قاضيا على الناس بل كن داعيا، ولا تنقب في قلوب الخلق ودع الخلق للخالق فإلى الله إيابهم وعلى الله حسابهم ،
فكم من عالم مشهور في الأرض مطمور في السماء ؟!وكم من متعالم علي شاشات الفضاء مطمور في السماء !؟. كم من بلاء حل بدارنا ونزل بساحتنا بسبب النية؟! .
إذا صفت النوايا نزلت العطايا من رب البرايا ومصداق ذلك في قول ربي جلت قدرته (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا…….)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى