الصورة الاستثناء في قصيدة ” المرأة الاستثناء ” للشاعر محمد الشهاوي

هشام المنياوي | ناقد مصري 

إن نصا شعريا حصد الجوائز، وأشعل الغيرة في قلب الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، لخليق بأن يقدمني ولست أنا من يقدم له، قرأت من زمن فأعجبت به في حينه وانتهى الأمر ، أما الآن فأنا أتعرض له نقديا ، أحاول استجلاء مكامن الحسن فيه

ولأنني مغرم بالبنيوية الأسلوبية ومولع بمنهج نقد الصورة فقد شحذت همتي لاستجلاء الإبداع في نص، هو من عيون شعر الغزل في العصر الحديث كما أجمع على ذلك النقاد ، والحقيقة أن التمرد المعلن عنه على أطر الخليج :

لينهمر الشعر بالأغنيات الجديدة بين يديها طويلا طويلا

ألا وليؤسس على قدرها لغة وعروضا

جديدين يستحدثان مقايس أخرى وذائقة وعقول

لم يكن وحده هو البطل حين كان المقطع الصوتي:

(هي امرأة تشبه المستحيل(

هو الأساس الذي أقام عليه شاعرنا صرح الإيقاع في النص، وكرره بسيمائية لا تخفى، وكأنه بتكراره يؤمن في كل مرة على إدهاشنا ، ألا تندهشوا فهي (امرأة تشبه المستحيلا) والحق أن لكل منا في حياته امراته الاستثناء من بين مجموع النساء، لا يدهش أبدا وهو يطالع وصف شاعرنا في حبيبته ، فلو كان المتلقي يوحى إليه شعر، لقال فيها مثلما قال شاعرنا !!

(هي امرأة ) قالوا لنا قديما إن التنكير إما للتعظيم أو التحقير، ولم يذكروا لنا أبدأ أن تنكير امرأة الشهاوي هو عين التعريف!!

عمدت إلى الصورة في النص أروم استجلاء دلائل الحسن فيها فأمسكت بالقلم لأحصي الصور الباهية في النص، فإذا بي أخطط تحت كل سطور القصيدة
 هي امرأة وجميع النساء سواها ادعاء

لها البحر من قبل بلقيس عرش لها

وكل المياه إماء(

صورة تقطر حسنا، ليس لعبقرية التناص مع شخوص التاريخ واستدعائها إذ جعل الشاعر امرأته تتفوق على بلقيس في اتخاذ البحر عرشا لها -على بهائه – وليس لطرافتها وبعد أجزائها جدة -على حسنه- إنما عبقرية الصورة في ترشيحها إذ كان يمكنها أن توصد أبوابها عند: ( لها البحر من قبل بلقيس عرشا ) فجاء الترشيح

(وكل المياه إماء) يشخصن البحر، ويحييه ، ويقيم صرح الإيقاع بين (إدعاء وإماء) فتكاملت الصورة خيالا مركبا ،وإيقاعا طروبا !!(هي امرأة تشبه الشمس) كان يمكن أن تقف الصورة عند ذلك إلا أنه بترشيحه الصورة بالاستثناء
(هي امرأة تشبه الشمس إلا أفولا) صار(تشبيها منقوصا) بتعبير البلاغيين، فتعاظم البهاء حين بدا المشبه أكثر اكتمالا من المشبه به يتتابع التركيب في الصور
(مفعمة بلهيب الوضاءة مترعة بأريج الأنوثة)

فجمعت امرأته بين جمالي الروح والجسد ،وإن كنت اشتهي أن يتقارض الوصفان؛ فيكون اللهيب للأنوثة أليق، والأريج للوضاءة أنسب ؛ فالاتساق في (مفعمة بأريج الوضاءة مترعة بلهيب الأنوثة) ليس يخفى حسنه !!

يتوالى ترشيح الصور في قوله :

( تسلم أعضاءها ليد السحر ترسم في جسمها الغض أحلى الأساطير )

هذا ترشيح حركي بالفعلين (تسلم وترسم ) نقل الصورة من وضع الثبات إلى وضع الحركة كمقطع فيديو ساكن تحرك بلمسة إصبع وكانت لمسته ( ترسم – تسلم ) إنها صورة مركب حسنها بعضه فوق بعض فإن تراسل الحواس و تقارضها جعل الأساطير التي تسمع جعلها ترسم بل وجعل لها طعما حلوا فتداخلت الحواس جميعها أمام حسن وبهاء تلك المرأة الاستثناء !!

نحن أمام معرض للوحات التصويرية في نص صورته هي الاستثناء
                                                                    

نص ( المرأة الاستثناء )

شعر : محمد محمد الشهاوي

لينهمرِ الشعرُ بالأغنيات الجديدة بين يديها

طويلاً..
طويلا.

ألا..

وليؤسس (على قدرها)

لغةً وعروضاً جديدينِ

يستحدثانِ مقاييس أخرى..

وذائقة.. وعقولا.

هي امرأةٌ تشبه الشمسَ إلا أفولا.

على شاطيء الألق المترقرقِ..

مفعمةً بلهيب الوضاءةِ،

مترعةً بأريج الأنوثة..

تُسلم أعضاءَها ليد السحر،

ترسم في جسمها الغضِّ..

أحلى الأساطيرِ

ماذا يقول لسان المزاميرِ عنها

إذا ما أراد لنا أن يقولا

هي امرأةٌ تشبه المستحيلا

هي امرأةٌ يشرب النورُ..

من قدميها (اللتين تشعَّانِهِ(

هاطلات السنا

والندى

كي يبل الصدى

والمغني.. هنالك محتدماً بأوار التراتيلِ..

يرسلُ اللانهائيَّ في مقلتيها

بريد المواويلِ

وهو يناغمُ رقرقة الضوءِ إذ يتدحرجَ

فوق جبال المدى

ليصافح في وجنتيها الصباح الجميلا

وسيدة النورِ تعلمُ:

أن القصائدَ..

مفتاح باب الدخولِ..

إلى باحةِ المطلق المتهللِ

آهٍ.. وإني أود الدخولا

هي امرأةٌ..

لم تراود سوى الحلمِ عن نفسِهِ..

وفتاها..

تَوَزَّعَهُ الحلمُ / وَحَّدَهُ

والشذا

والجوى

والنحولا

فأترع كل الجهاتِ أفاويقَ وجدٍ

بهِ ما بهِ من ضنىً لن يحولا

أجل..

إنه موقف الشوقِ..

والتوقِ،

والسهدِ..

والوجدِ..

والشدو..

والشجوِ،

فلتشهدي يا جميع المواقيتِ..

أن المغني..

ما زال في حضرة الشوْفِ

يتلو كتاب صباباتِهِ،

وفِدى من أحبَّ

يموت قتيلا

ويا سيدي الوجدَ

إن لنا موعداً (عقدته العيونُ(

ووثَّقهُ الصمتُ

والصمت أصدق قيلا

أحبك يا سيدي الوجدَ

يا ذا الخليل الذي..

لم يمل الخليلا.

أحبكَ..

فاكتب إلى العمر أغنيتي

علهُ..

  • رحمةً بالمحبين –

ألا يزولا

هي امرأةٌ تشبه المستحيلا

هي امرأةٌ..

قد تفرغت المعجزاتُ لتشكيلها

والمقاديرُ..
دهراً طويلا

هي امرأةٌ..

وجميع النساءْ

سواها ادعاءْ

لها البحر من قبل بلقيس عرشٌ

وكل المياه إماء

يخاصرها الموجُ في نهمٍ

ممعناً في الصبابة جيلاً.. فجيلا

أقايضها..

بدمي

وجميع دفاتر شعري..

مقابلَ أن أتريض عبر فراديس أبْهائها

أن أجوس خلال أقاليم لألائها

أن أسوح بأغوار أغوار آلائها..

أو أجولا

أقايضها بدمي

وجميع دفاتر شعري

مقابل أن أتملى مفاتنها بكرةً وأصيلا

هي امرأةٌ ملء أعطافها عبقٌ

يستدل عليها به من يود الدليلا

هي امرأة تشبه المستحيلا

هي امرأة..

ليس لي أن أسميها أو أكَّني

لطلعتها القلب يرقص حيناً،

وحيناً يغني

وهْيَ من لا يشابهها غيرها

إن أردت المثيلا

هي امرأة تشبه المستحيلا

هي امرأة تشبه المستحيلا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى