ثقافة الهبل (4)

جميل السلحوت | القدس الشرقية – فلسطين

 في التّعامل مع نصف المجتمع

        لا يحتاج المرء إلى كثير من الذّكاء ليعرف أنّ المرأة نصف المجتمع، وأنّ لها حقوقها التي أعطاها الله لها حسب الدّيانات السّماويّة، لكنّ المجتمعات الذّكوريّة، ومنها المجتمعات العربيّة تنكر عليها هذه الحقوق، وتضطّهدها وتحرمها إنسانيّتها وحتّى حقّها في الحياة، ويشارك في ذلك متديّنون مسلمون يعظون النّاس باعطاء المرأة حقوقها، ورغم النّصوص الدّينيّة الدّاعية إلى إعطاء المرأة حقوقها، وحتّى يومنا هذا فإنّ الغالبيّة العظمى لا يريدون إنجاب البنات، يقول تعالى: “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ.” وقد تتعرّض الزّوجة التي تنجب الأنثى إلى الاضطهاد والأذى من قبل زوجها ومن أقاربه أيضا، وقد تتعرّض للطّلاق أو الزّواج عليها بسبب ذلك، علما أنّ العلم أثبت أنّ الرّجل هو المسؤول بيولوجيّا عن إنجاب الأنثى، “مثلما تزرع تحصد”.

       وثقافة الهبل الاجتماعيّ حسب العادات والتّقاليد والمفاهيم الاجتماعيّة تتعامل مع المرأة وكأنّها إنسان لا يستحق الحياة، وأنّها سبب الشّرور والمصائب، ويظهر ذلك جليّا في المأثور الشّعبيّ من حكايات وأمثال شعبيّة مثل: “اللي بتموت وليته من حُسّن نيته”، “دلّل ابنك بغنيك، ودلّل بنتك بتخزيك”، “ابنك لك وبنتك لغيرك”، “همّ البنات للممات”، “ولد أهبل ولا بنت عاقلة”، “الولد وين ما راح لا تخاف عليه، والبنت دير بالك منها حتّى وهي في البيت”، “الولد وين ما رميته بظل رجل، والبنت دايما عورة”، “شاوروهن واخلفوا شورهن”….إلخ. في حين غالبيّة الحكايات الشّعبيّة تركّز على المرأة كسبب لكلّ الشّرور والمصائب!

      ومن التّناقضات غير العجيبة في ثقافتنا هي احترام الأمّ، والحثّ على برّها وعدم عقوقها، علما أنّ النّساء جميعهنّ أمّهات أو مشروع أمّهات، فالواحد منّا يحب ويحترم ويبرّ ويخدم ويرعى والدته، ويرى فيها “ستّ الحبايب” و”ستّ الدّنيا”، وهذا أمر جيّد ومطلوب يقول تعالى: ” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا، وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.”

وبهذا فإنّ الإحسان إلى الأمّ فرض دينيّ، وتقرّه الأعراف والعادات، لكنّ هذه الأمّ لا تلقى الإحسان والمعروف من زوجها، مع أنّ الرّسول صلّى الله وعليه وسلم يقول: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي.” والأهل هنا هم الزّوجة والعيال، ولا من شقيقها، ويقول صلى الله عليه وسلم: “من كان له ابنتان أو أختان فأحسن إليهما ما صحبتاه، كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين يعني السّبابة والوسطى.”

 ولا تلقى الاحترام من مجتمعها أيضا، وكأنّ كلّ واحد من مجتمعنا يعيش هو ووالدته في عالم خاصّ، ولا يحترم أمّهات الآخرين مثلما يحترم أمّه! أو لا ينظر لأمّهات الآخرين كنساء فاضلات كأمّه.

        والأنثى “ناقصة العقل والدّين” بالفهم الجاهليّ والجاهل لهذه المقولة، تواجه صعوبات في مختلف مناحي حياتها، ولا تحصل على حقوقها، فمثلا لا تمنح الفرصة للتّعلم كشقيقها، ولا تحصل على نصيبها في الميراث، أو حقّها في اختيار الزّوج….إلخ، وهذا ليس من الدّين في شيء، فقد كان من النّساء راويات للحديث مثل أمّ المؤمنين عائشة، وشاركت النّساء في عهد النّبوّة في الحروب، يعددن الطعام للمقاتلين ويمرّضن الجرحى، ويرفعن المعنويات، وقادت أمّ المؤمنين عائشة معركة الجمل ضد عليّ بن أبي طالب، وغير ذلك.

       وفي العهد العثمانيّ عرف ما يسمّى بعصر الحريم، الذي تفاوت فيه التّعامل مع المرأة بين جماعات وأخرى، إلى أن وصلنا الى العصر الحديث، حيث نجد فضائيّات مخصّصة لمشايخ يطلقون اللحى، ويضعون العمائم غالبية “فتاويهم ومواعظهم ومعالجاتهم لقضايا الأمّة” ترتكز على جسد المرأة وما بين فخذيها، وكأنّ الأنثى مسؤولة عن مصائب الأمّة كلّها، مع أنها ليست شريكا في صنعها، وهناك من يعتبرون “الأنثى” “حرمة” اسمها حرام، وسماع صوتها حرام، وكل ما يتعلق فيها حرام في حرام، وينسون أنّهم يقرأون –إن كانوا يقرأون- اسم والدة الرسول، وأسماء بناته وزوجاته، وبعضا من سيرتهنّ الذّاتيّة، فلماذا لا يقتدون بالرّسول وهو قدوة حسنة؟ وهناك من يدعو إلى زواج البنات الأطفال درءا للرّذيلة، وكأن الشّهوة موجودة في الأطفال الإناث! وهناك من يفتي بزواج المؤانسة، والمتعة والمسيار و”جهاد المناكحة”….إلخ. وهناك من ينسب الغواية والضّلالة للأنثى دون الذّكر، وإمعانا في اضطهاد الأنثى فإنّ التمييز يلاحقها في كلّ شيء، وفي الوقت الذي شاركت فيه بعض النّساء غير المسلمات في غزو الفضاء الخارجيّ، وساهمن في الاكتشافات العلميّة، إلا أنّ هناك من يحرّم على المرأة قيادة السّيّارة حتّى لو كانت ذاهبة للصّلاة في المسجد، أو لاصطحاب طفلها المريض إلى الطبيب، لكن لا ضير من أن يقود سيارتها أجنبيّ وهي بصحبته! ويلاحظ أنّ الأتراك قد تخلّوا عن عصر “الحريم” لكنّ العرب تلقّفوه منهم وتمسّكوا به.

      والأنكى أنّ هناك من يعتبر المرأة ضعيفة لا تقوى عقليّا على عمل شيء، وهؤلاء طبعا يعتمدون على الفوارق العضليّة بين الذّكر والأنثى، وينسون أنّ هناك نساء قدن أمما وشعوبا بقدرة واقتدار، ومنهنّ نساء عربيّات مثل بلقيس ملكة سبأ، وزنّوبيا ملكة تدمر، ومسلمات كشجرة الدّر في مصر، وبنازير بوتو في باكستان الحديثة، وغير مسلمات وغير عربيّات مثل: مارغريت تاتشر، أنديرا غاندي، جولدة مائير، أنجيل ماركل وغيرهن.

       ومن ثقافة الهبل والاستهبال في تحميل المسؤوليّة وما يتبعها من عقاب للمرأة وحدها، فأيّ تصرّف خاطئ يرتكبه الرّجل والمرأة معا هو مسؤوليّة المرأة.

ثقافة القتل دفاعا عن الشّرف

       تزهق أرواح نساء كثيرات كلّ عام في مختلف أرجاء المعمورة لأسباب ثقافيّة لا علاقة للحروب والنّزاعات المسلّحة بها، واذا كانت بعض النّساء تقتل عند شعوب أخرى لأسباب جنسيّة كأن يجد رجل زوجته أوعشيقته في علاقة حميمة مع رجل آخر، فإنّ دافع “تملّك” الرّجل للمرأة قد يكون الدّافع وراء مثل هذه الجريمة، أو قد يكون واقعا تحت تأثير المخدّرات.

     وما يهمّنا نحن هو القتل بذريعة ما يسمى “الدّفاع عن الشّرف” في بلداننا العربيّة والاسلاميّة، فمن أين جاءتنا هذه العادة الجريمة التي تضعنا أمام تساؤلات كثيرة وكبيرة منها:

هل الشّرف صفة للنّساء فقط؟ وإذا ما افترضنا وجود علاقة جنسيّة “غير مشروعة” بين رجل وامرأة، فهل يمسّ شرف الرّجل كما يمسّ شرف المرأة؟ ولماذا توقع العقوبة على المرأة فقط؟ ولماذا يتمّ التّستر على الرّجال خصوصا الذين يمارسون سفاح القربى مع محرّمات، مثل البنت أو بنت الأخ أو بنت الأخت، مع أن غالبيّة المرتكبين لهذه الجرائم يكونون رجالا بالغين ويمارسون فعلتهم الشّنيعة مع بنات أطفال؟ بل لماذا يتمّ قتل البنات عندما يجري استغلالهنّ جنسيّا من قبل محرّمين كالأب أو الأخ أو العمّ أو الخال…إلخ؟ ولماذا يبقى المجرم طليقا؟

       وكم عدد النّساء اللواتي قتلن ظلما وجورا لمجرد إشاعات كاذبة اختلقها رجال منحرفون؟ وكم عدد العذارى اللواتي قتلن وأثبت الطبّ الشّرعيّ أنّهنّ عذراوات؟ وهل الدّين الاسلاميّ- وهو دين الغالبيّة في مجتمعاتنا- يبيح القتل في مثل هكذا حالات؟

 وما هو مفهوم الشّرف؟

 فهل اللصوص وتجّار المخدّرات ومتعاطوها والجواسيس والخائنون… وغيرهم شرفاء؟

 في ثقافتنا الشّعبيّة مقولة تقول: بأنّ الأرض والعرض – بكسر العين وتسكين الرّاء – لا يفرّط بهما، وأنّ الرّجل يقدّم روحه رخيصة دفاعا عنهما؟ لكنّنا فرّطنا بالأرض وهربنا بالعرض؛ ليجري انتهاكه على أيدي من لجأنا إليهم لحمايته، لنقع في المحظور الشّعبيّ القائل “بأنّ من لا وطن له لا عرض له.”

           من المحزن أن يتمحور شرف الرّجل العربيّ في بضعة سنتيمترات ما بين فخذي المرأة، ومن المحزن أكثر هو ارتكاب جريمة القتل تحت اسم “الشّرف” وتحت اسم “محو العار”، فهل القتل يجلب الشّرف ويمحو العار؟

      إن القتلّ يشكّل فضيحة كبرى ليس على مرتكب الجريمة فقط، وإنّما على شعبه وأمّته، فوسائل الاعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة في مختلف أرجاء المعمورة، وفي مختلف اللغات تنشر عن الجريمة وأسبابها وبالأسماء، في حين لو تمّ التّستّر على الموضوع لبقي سرّا محصورا في بضعة أشخاص، ولو علم مرتكبو جرائم القتل هذه أنّهم يكتبون عارهم بالدّم لما لجأوا لمثل هذه الجرائم، ومن المعروف أيضا أنّ مرتكبي جرائم القتل هذه قد يدخلون السّجن لسنوات طويلة قد تأخذ عمرهم بكامله، ليصبح القاتل قتيلا أيضا وراء القضبان.

        ومن الجهل السّائد أنّ بعض الفئات الاجتماعيّة تعطي القتل بعدا دينيّا؛ فيحلّلون ما حرّم الله وهم لا يعلمون، لأنّ الدّين الإسلاميّ وضع عقوبة الجلد للزّاني الأعزب، ووضع شروطا تعجيزيّة لإثبات عمليّة الزّنا، وهي وجود أربعة شهود عدول رأوا العمليّة الجنسيّة كاملة دون شبهات، وإذا ما كانوا أقلّ من أربعة فإنّهم يجلدون لطعنهم بالمحصنين والمحصنات، وعليه فإنّ الضمّ والتّقبيل والمفاخذة والمداعبة لا تصل إلى درجة الزّنا- ولا يفهم من هذا أنّها محلّلة ومسموح بها- أمّا الذي أباح الاسلام قتله فهو الثّيب الزّاني، والذي يقتله هو الحاكم المسلم الذي يحكم بشرع الله وليس أيّ شخص آخر، لأنّ الاسلام رسّخ دولة القانون الشّرعيّ، وهو الذي احترم حياة الإنسان، حتى إنّ الرّسول صلوات الله وسلامه عليه اعتبر أنّ هدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل إنسان، وحتى الزّوجين اللذين يضبط أحدهما الآخر متلبسا “بالزّنا” فإنّه تجري بينهما الملاعنة ويفرق بينهما.

      يبقى أن نقول أنّ ثقافة القتل في هذا المجال إرث جاهليّ ابتدعه المجتمع الذّكوريّ، وأنّ الدّين الاسلاميّ يحرّم هذه الجريمة، مع التّأكيد أنه لم يفرّق بين الرّجل والمرأة في العقوبة وفي التّعامل مع هذه القضيّة. والتّأكيد أنّ القتل لم يكن ولن يكون يوما مقياسا للرّجولة والمروءة والشّهامة، بل أثبتت الدّراسات أنّ القتلة جبناء، ويعانون من عقدة النّقص.

فهل تتجنّد وسائل الإعلام والمثّقفون ورجال الدّين لاعادة تثقيف عامّة النّاس حول هذا الموضوع؟ وهل توضع قوانين رادعة للقتلة؟

“يتبع”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى