الحياة كفلسطيني

د. أحمد رفيق عوض | فلسطين

الحياة هنا، أعني في فلسطين، حياة مرة إلى أقصى درجات المرارة، تفيض بالخوف والذعر، مجبولة بالإحساس الحارق بالذل والمهانة.

هنا، لا تركن الى اغلاق الباب عليك وعلى أولادك، ولا تستطيع أن تأمن الطريق التي تسافر عليها، ولا تطمئن إلى قدرتك على السفر أو العلاج أو الدراسة، هنا كل شيء مكشوف ومباح ومنتهك.

البيت الذي تبنيه لا تستطيع أن تتأكد أنك ستسكن فيه، الشجرة التي تزرعها وتطلق عليها اسماً جميلاً لا يمكنك أن تكون واثقاً أنك ستأكل من ثمرها، وإذا اقبلت على حاجز احتلالي، فلا يمكنك أيضاً الاستنامة إلى شعور بالأمن والآمان.

الحياة كفلسطيني يعني أنك مطارد ومتهم، خارج الصورة، غير مرغوب بك، وأنت هدف للاستباحة والنفي، وأنت مقيد في حركاتك وافعالك، ويضيق عليك الفضاء ويسحب من تحت رجليك أرضك وسماؤك، أما جسدك فهو ليس ملكك أيضاً، ففي أية لحظة قد تفقده لسبب ما، وقد يتم تبرير ذلك بالتقدير الخاطئ أو قد يحال الامر كله إلى لجنة قد تنتهي بصياغة نصٍ لا يفهم منه شيئاً، ولكنه يؤكد ديموقراطية وطهارة قاتلك.

وأنت كفلسطيني ينتزع منك رغبتك او حتى حقك في التلال أو الوديان أو الينابيع الصافية الرقراقة بين الجبال، وتحرم من التريض الغابات أو السهول، وتقطع طريقك ويفرض عليك طرق أخرى لمنعك من التواصل والنمو والتكاثر، يختطف منك الأمن والبيت والحياة لأن محتلك أحق منك بذلك.. كيف.. لا تدري ولا يمكنك أن تدري أيضا.

الحياة هنا، تبدو وكأنها معبر لمرحلة أخرى، أو بانتظار فترة أو ظرف مريح لمصادرتها كلياً.. الحياة هنا مسألة عويصة ومعقدة، وهي امتياز يمنح لك الى حين.

أنت كفلسطيني تحشر في تجمعات مزدحمة، قليلة الخدمات، وتتحول بفعل السياسات الممنهجة الى مجموعات بشرية مفككة تنتظر المساعدات والتمويل ليس إلا، وبدلاً من أن تتحول الى مواطن صاحب حق، تصبح مجرد مستهلك في طابور طويل.

وأنت كفلسطيني تمنع من التعريف وتمنع من التوحد وتمنع من القدرة على الرد أو الانجاز، فما هو مطلوب منك أن تبقى أما للتجميل أو الشرعنة أو حتى ان تكون مجرد درع بشري او للمقايضة او للتهديد كورقة رابحة تستخدم عند الحاجة.

لا يمكن للحياة أن تستمر هكذا، لا يمكن أن تستمر النظرة الينا باعتبارنا الشعب الزائد عن الحاجة، أو الشعب غير المرئي، أو الكتلة المزعجة امنياً أو عرقياً.

لا يمكن تغريبنا عن مكاننا، أو دفعنا إلى الغربة أيضاً.

يخطئ المحتل كثيراً في أن يمارس بحقنا ما يمارس بسبب فجور القوة أو جنون العظمة.

إن دفع ملايين الفلسطينيين إلى هذه الزاوية المرعبة لن يؤدي إلى نجاح المحتل على الغطلاق.

لماذا؟! لأن كل ما يفعله المحتل جرّب في أمكنة كثيرة بحق شعوب كثيرة أيضاً، ولم تكن النتيجة مرضية للمحتل على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى