وفاء كمال الخشن والمخرج محمد خان وجهًا لوجه 

كان المخرج ” محمد خان ” قد استوحى قصة فيلم ” أحلام هند وكاميليا”  من الخادمة التي ربته حتى العاشرة من عمره .وظلت فكرة الكتابة عنها تداعب خياله . لذلك كانت العلاقة قوية بين النص المكتوب والصورة السينمائية . لدرجة أن نجومية الفنانة عايدة رياض كادت تطغى على نجومية نجلاء فتحي لشدة صدقها وعفويتها بتجسيد دور الخادمة الريفية.

وفي حواري مع أحمد زكي قلت له:  الكثير من الأفلام المصرية قدمت المرأة بصورة مخالفة لما هي عليه في ” أحلام هند وكاميليا ” . فقد قدمت تلك الأفلام المرأة في مخادع النوم وبيوت البغاء وأكثرت من مشاهد الإثارة . فأين هي صورة المرأة المصرية الحقيقية فقال لي إن الأفلام التي تتناول المرأة بسطحية وتكتفي بالقشور دون الخوض في الأعماق ، في معظمها تجارية .لأن معيار نجاحها يعتمد على الشكل لا على المضمون. ولكن واقع المرأة الحقيقي في مصر مختلف عما تقدمه تلك الأفلام. فهي تقف جنباً إلى جنب مع الرجل في البيت والعمل والمصنع ، وترتقي سلَّم الحياة وتدخلها من بابها الواسع. وقد أثبتت الأبحاث الأخيرة التي عملت على مطابقة صورة المرأة المقدمة على الشاشة مع المرأة في الواقع، إن الصورة مشوهة بنسبة كبيرة جداً في الشاشة ومغايرة تماماً للصورة الحقيقية. ويطغى على نجومية نجلاء فتحي لبراعتها وعفويتها في تجسيد دور تلك الخادمة الريفية نلم تكن ثورة بث الأفلام عبر وسائل السوشيال ميديا موجودة حينذاك. . وكان الخطر الحقيقي على السينما هو انتشار الفيديو. فالسينما قد بدأت تعيش معه أزمتها كما نعيش اليوم أزمتنا مع وباء كورونا .فمع  تجربة الفيديو والانخفاض التدريجي بأسعاره. أصبح من السهل إقامة مكتبات سينمائية في المنازل لتسجيل الأفلام من التلفاز بسعر أرخص وشكل أسهل وأريح من السينما بحيث يمكن رؤية الفيلم بأوقات فراغنا، ونحن نضجع على أرائكنا ونشرب القهوة .وكان أول شريط فيديو اقتنيتُه بعد شرائنا للفيديو هو فيلم “أحلام هند وكاميليا ” الذي أخرجه المخرج “محمد خان ” وهومن أهم مخرجي تيار الواقعية الجديدة المنحازين لمعالجة الأزمة التي كانت تعيشها المرأة في ظل سيادة المجتمع الذكوري. وكنتُ أجد ان ذلك الفيلم كثير الإقتراب من واقع النساء المسحوقات وخصوصاً عاملات المنازل اللواتي ازدادت أعدادهن في ظل الانفتاح الاقتصادي التي تبنتها السلطات المصرية حينذاك

لقد كان فضولي كبيراً لمعرفة مخرج ذلك الفيلم .فأنا قد قرأتُ عنه ولم أكن أعرفه بالشكل تماماً .وقد راودني شك أنه هو الذي  يتابعني بعينيه وأنا أقوم بالحوار مع أحمد زكي . وعندما أنهيت حواري مع أحمد زكي ابتسم لي ابتسامة عريضة، وبالكاد خرجتُ من الزحام. كان خروجه موازياً لخروجي، وفي الطرف الهادئ من الساحة. تصافح نظرانا من جديد. فحياني واقترب يريد أن يعرِّفَني على نفسه فسبقتُه مغامرة :

ـ حضرتك الأستاذ محمد خان

ـ نعم

دعاني للجلوس على أريكة في ركن هادئ .

من باحة الميريديان .

كنت أعتقد أنه أطول بكثير من صورته الحقيقية، وأنه يرطن بالعربية، لأنني سبق وقرأتُ أنه يحمل الجنسية البريطانية، وهو من أب باكستاني وأم مصرية. لكن عربيته كانت متقنة جداً، وقد استطاع أن يخوض بها في أعماق المجتمع المصري .

نقلتُ له ماكنت أفكر به وقلتُ: إن الصورة في هند وكاميليا سبقها مؤلف سيناريو بارع لم أكن أتوقع أن تكون أنت، لأنني كنت أعتقد أن عربيتك ضعيفة، ابتسم وقال :

دايئماً هنالك رؤيا خاصة للمخرج ورؤيا للممثل وفي “أحلام هند وكاميليا” اجتمعت الرؤيتان لتعطيا رؤية واحدة متكاملة . لذلك فإن الأفلام التي كتبتُها وأخرجتُها تتميز عن غيرها بشكل ملحوظ . وهذا لايمنع بالتأكيد من تميز الأفلام التي كتبها الآخرون مثل “عودة مواطن” و “زوجة رجل مهم” فقد تسنى لتلك الأفلام أن تكون بمثابة روحين في جسد واحد>

كان يجلس مسترخياً . ويحدثني وقد وضع يده على رأسه، لم ينزلها طيلة الحديث، لدرجة شغلتني عن موضوع حوارنا وفوتَتْ علي فرصة انتزاع بعض المعلومات حول أعماله. حتى أنه  لو رُفِعَتْ الكلفة بيننا، لأنزلت يده عن رأسه بالقوة. بسبب الإحساس الذي راودني أنه يريد أن يخفي الفراغ الذي بين شعر رأسه :

كدت أصرخ وأقول: أنزل يدك .أريد أن أتأمل ذلك الرأس الذي كان بطلاً حقيقياً في حياة أهم أبطال الشاشة المصرية بما يحويه من روح الصدق والتحدي والفكاهة والحب والتعبير عن رأيه في إخراجه بطريقة ترنو إليها العيون وتلهج بذكرها الألسن. هذا الرأس الذي لم تسرقه الثقافة الغربية بل ظل معجوناً بأوجاع المصريين. فأخرج سينما مصرية واقعية، وترك بصمة مضيئة في مسيرة السينما المصرية .

لم ينزل يده إلا ليصافحني مودعاً. تمنيت أن أحتفظ بيده لكي لايعيدها نحو رأسه، ليترك مكاناً لذلك النور المنبعث منه كي يرسم هالته على الدوام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى