فرحات جنيدي| ناقد فني وروائي
في عالم الدراما المصرية، هناك أسماء تركت بصمة لا تُمحى، وأعمال شكلت جزءاً من الذاكرة الجمعية للأمة العربية. ومن بين هؤلاء المبدعين، يقف أحمد صقر، المخرج المصري القدير الذي أبدع في تقديم أعمال مميزة حفرت مكانتها في تاريخ الدراما. ورغم تاريخه الحافل بالإبداع، يغيب صقر عن الساحة الفنية لسنوات، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الغياب. هل كان تجاهلاً غير مبرر من قبل المنتجين، أم أن معايير الإنتاج الفني قد تغيّرت، لتتجاهل قامات مثل أحمد صقر؟
فرحات جنيدي كاتب المقال
أحمد صقر، أحد رواد الإخراج في الدراما المصرية، كان ولا يزال أحد المخرجين الذين قدّموا أعمالاً خالدة تتحدث عنهم لأجيال. أعماله التي تنوعت بين التاريخية والاجتماعية والسياسية، أبرزت قدرته الفائقة على تحويل النصوص إلى لوحات بصرية حية. قدم صقر مسلسلات عظيمة تعتبر من الأشهر في تاريخ الدراما المصرية منها هوانم جاردن سيتي (1997)، أوبرا عايدة (2000)، حديث الصباح والمساء (2001) وأميرة في عابدين (2002) .
رغم هذا الإرث الفني الثري، غاب أحمد صقر عن ساحة الدراما لسنوات، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: لماذا لم يعد هذا المخرج الكبير حاضراً في المشهد الدرامي؟ هل تخلت عنه شركات الإنتاج لصالح أسماء أخرى، أم أن النظام الإنتاجي الحالي لم يعد يناسب مستوى الإبداع الذي عرف به صقر؟
في السنوات الأخيرة، شهدت الدراما المصرية تغيرات جذرية، اتجهت فيها بعض الإنتاجات نحو السرعة في التنفيذ، والتجارية في المضمون، على حساب العمق والثراء الفني. في هذا السياق، يبقى السؤال: هل فقدت الساحة الفنية التقدير للمخرجين أصحاب الرؤية الإبداعية، مثل أحمد صقر، الذين كانوا يرفعون سقف التوقعات ويضعون معايير جديدة للفن؟
إن غياب صقر لا يُعتبر مجرد غياب لمخرج آخر، بل هو فقدان لصوت فني رفيع، كان يعيد بناء النصوص ويقدّمها للمشاهدين بعمقها الكامل، مع اهتمام بالتفاصيل والإيقاع البصري الذي يخلق تجربة مشاهدة فريدة.
وفي النهاية يبقي السؤال: أين أحمد صقر اليوم من المشهد الفني؟ لماذا تغيب عنه هذه القامة الكبيرة التي كانت تُثري الدراما المصرية والعربية بأعمال لا تُنسى؟ هل المسؤولية تقع على عاتق المنتجين الذين يبحثون عن الربح السريع، أم أن التلفزيون المصري فقد بوصلته الفنية التي كانت تقدّر القامات الفنية الحقيقية؟
غياب مخرج بحجم أحمد صقر يمثل علامة استفهام كبرى يجب على المسؤولين عن الإنتاج الدرامي أن يجيبوا عليها. فهل يمكننا أن نتخيل عودة الدراما المصرية إلى أوج تألقها دون استعادة أسماء بحجم وقيمة أحمد صقر؟